وقد عللوا الجواز بقولهم «كل يوم لم يكره أن يُتطوع بصومه على وجه؛ لم يكره أن يُتطوع به على وجه الابتداء»، ذكره القاضي عبد الوهاب والباجي رحمهما الله، وهو كما ترى رأي في مواجهة النص، ويبدو أن مراد الشارع من النهي عن صوم يوم الشك وهكذا نهيه عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، ومثله النهي عن الصوم متى انتصف شعبان؛ إنما هو سد الذريعة إلى الزيادة في العبادة، أو الاحتياط لها بمثل هذا، لا لكون ذلك قد يؤدي إلى ضعف الفاعل عن صوم رمضان، بدليل أن النبي ﷺ كان يصوم شعبان إلا أقله، أو كان يصومه كله، ولم يأت ما يدل على اختصاصه به، وصوم الشهر كله أدعى إلى الضعف من صوم بعض الأيام.
قال الشعبي كما في تفسير البغوي (١/ ١٥٠): «لو صمت السنة كلها؛ لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، فيقال من شعبان، ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان، فصاموا قبل الثلاثين يوما، وبعدها يوما، ثم لم يزل القرن الآخر يستن بسنة القرن الذي قبله؛ حتى صاروا إلى خمسين يوما»، وهذا المعنى هو الذي حدا ببعض أهل العلم ومنهم مالك إلى كراهة المبادرة بصوم الستة أيام من شوال عقب عيد الفطر حتى قال ابن العربي ﵀:«ولذلك كره علماء الدين أن تصام الأيام الستة متصلة برمضان مخافة أن يعتقد أهل الجهالة أنها منه، ورأوا أن صومها من ذي القعدة إلى شعبان أفضل، لأن المقصود منها حاصل بتضعيف الحسنة بعشر أمثالها متى فعلت، ومن اعتقد أن صومها مخصوص بثاني يوم العيد؛ فهو مبتدع سالك سنن أهل الكتاب في الزيادات، داخل في وعيد الشرع حيث قال: «لتركبن سنن من كان قبلكم»، انتهى باختصار.
قال كاتبه: ينبغي أن يعلم أن حديث صوم ستة أيام من شوال الذي رواه مسلم وغيره (د/ ٢٤٣٣) عن أبي أيوب ليس بمؤسس لقاعدة مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها، فإنها معروفة في غيره من كلام الله تعالى وكلام رسول الله ﷺ، فإذا حمل قوله عن فضل صوم هذه ألأيام:«فكأنما صام الدهر» على معنى أنه كالصائم للسَّنَةِ، فلا يكون فيه زيادة على غيره من النصوص التي تضمنت قاعدة المضاعفة.