فإن قلت: كيف يكون إخراجها قبل الصلاة مندوبا وقد جاء في الحديث أمر رسول الله ﷺ بذلك، فالجواب أنهم قالوا إن التقييد بما قبل الصلاة لأنه أول النهار، والمقصود إغناؤهم عن السؤال في يوم العيد، وقد قال مالك في الموطإ تحت ترجمة (وقت إرسال زكاة الفطر): «وذلك واسع إن شاء الله أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده»، انتهى، وفي حديث ابن عباس ﵄ قال:«فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة؛ فهي صدقة من الصدقات»، رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي، وفيه كما ترى خلاف ما مضى من قول مالك، فينبغي إخراجها قبل الصلاة، وفيه أيضا بيان لمقصد الشرع من هذه الزكاة في المعطي والآخذ، وهو يرجح أن مصرفها ليس مصرف زكاة الأموال الثمانية، بل خصوص المساكين كما هو المذهب، وهو الصواب إن شاء الله، وإن كان الجمهور على أن مصارفها هي مصارف زكاة الأموال، قال ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٢٢): «وكان من هديه ﷺ تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه،،،»، انتهى.
وينبغي للمسلم أن يتخير من يعطيه زكاة الفطر وزكاة المال من الذين يتوفر فيهم الوصف المعتبر شرعا، وأن يكونوا من المصلين، وأن لا يكونوا من أهل البدع المكفرة، ولا من الذين يستعينون بالزكاة على المعاصي، فإن نعم الدنيا إنما خلقها الله تعالى ليستعان بها على طاعته، والكفار يستمتعون بها تبعا للمؤمنين، على أن تكون يوم القيامة خالصة لهم، قال سبحانه: ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف: ٣٢]، وأهل العلم على أن من أخرها عن وقتها أثم، وترتبت في ذمته فيلزمه إخراجها، وتكون صدقة من الصدقات، وينبغي له التوبة والاستغفار، والمتجه أن يفرق بين متعمد تأخير إخراجها فلا يخرجها بخلاف من جهل الحكم أو نسيها، وعن عكرمة قال: «يقدم الرجل زكاته يوم فطره بين يدي صلاته، فإن الله يقول: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾ [الأعلى: ١٤ - ١٥]، يعني ليقتدي بالترتيب الذي في القرآن حيث ذكرت زكاة الفطر