لأن الله تعالى ذكر نوعي الوافدين للحج، فقال: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)﴾ [الحج: ٢٧]، ورجالا جمع راجل، هو الماشي، والضامر قليل لحم البطن من الحيوان الذي يركب كالإبل والخيل، وهي صفة محمودة، لأنها تساعد على سرعة السير، والرابع صحة البدن التي يتمكن بها من الوصول راكبا أو ماشيا مع القدرة على أداء المناسك، فمن كان مريضا لا يجب عليه الحج، وقد أعذر الله تعالى المرضى في التخلف عن الجهاد.
وقد ورد في تفسير الاستطاعة حديث ابن عمر قال: قام رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: «من الحاج يا رسول الله»؟، قال:«الشعث التفل»، فقام آخر فقال:«أي الحج أفضل»؟، قال:«العج والثج»، فقام آخر فقال:«ما السبيل يا رسول الله»؟، قال:«الزاد والراحلة»، رواه الترمذي في كتابي الحج (٨١٣) والتفسير (٢٩٩٨) وحسنه، ورواه ابن ماجة، ومال ابن كثير إلى تقويته في تفسيره (٢/ ٧٩) بما أورده له من المتابعات، وقال الألباني:«ضعيف جدا»، انتهى، والفقرة الثانية منه يشهد لها حديث أبي بكر الصديق عند الترمذي (٨٢٧) وابن ماجة وغيرهما ونصه أن النبي ﷺ: «سئل أي الحج أفضل»؟، فقال:«العج والثج»، والعج رفع الصوت بالتلبية وغيرها من الذكر، والثج إراقة دماء الضحايا والهدايا تقربا إلى الله تعالى، وقال ابن المنذر:«لا يثبت الحديث الذي فيه الزاد والراحلة، والآية الكريمة عامة ليست مجملة، فلا تفتقر إلى بيان، وكأنه كلف كل مستطيع قدره من مال أو بدن»، وقول مالك في أول كتاب الحج من النوادر في تفسير آية الاستطاعة قريب منه.
قال ابن ناجي في شرحه (١/ ٣٤٦): «واختلف في السائل الذي يغلب على الظن أنه يجد من يعطيه، فروى ابن وهب ما يقتضي الوجوب، وروى ابن القاسم أنه يسقط»، انتهى، ونفى خليل وجوب الحج إن توقف على السؤال، لكن شارحه الدردير (٢/ ٨) رجح الوجوب بشروط.
قلت: رواية ابن وهب التي أشار إليها ابن ناجي كما في النوادر (٢/ ٣١٩) تدل على الإجزاء، ولا يلزم من القول بالإجزاء الوجوب المدعى، فإن من حج بمال حرام أجزأه