حجه مع تحمله وزر جنايته، وعليه فلا يكون بين هذه الرواية ورواية ابن القاسم تناف، وهي في النوادر أيضا، وفيها:«وإني لأكره ذلك»، فالذي يظهر هو القول بمنع المرء أن يحج معتمدا على السؤال، فإنه إذا كان سؤاله لأجل معاشه؛ جاء فيه من التشديد والتقييد ما لا يخفى؛ فكيف بتجشم السفر لأجل الحج الذي لم يجب عليه مع الاعتماد فيه على السؤال المحرم في الأصل إلا للحاجة؟، وقد كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧]، ومعناه تزودوا لتَتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم، وما يترتب على ذلك من الإثم، وقد ذكر ابن العربي في أحكام القرآن أن الخطاب في الأية لأرباب الأموال، أوجب الله عليهم أن يتزودوا، قال:«فإن كان ذا حرفة تَنفُق في الطريق أو سائلا فلا خطاب عليه»، انتهى.
قلت: بعد التسليم بأنه لا خطاب عليه في هذه الآية؛ أفترى حكم هذه المسألة مقصورا على هذه الآية؟، إن هناك الكثير الطيب من النصوص التي تخاطبه بما قلناه.
وينطبق هذا على الشباب الذين يفدون على بعض الدول ليحضروا حلقات العلم كما يفعل شبابنا في ذهابهم إلى مدينة النبي ﷺ وغيرها، لكنهم يعيشون على نفقات المحسنين، بتوسط أهل العلم لديهم جزاهم الله خيرا، فهذا مما لا ينبغي الإقدام عليه لما فيه من التعرض للسؤال والابتذال، مع احتمال تعريض النفس للمهالك بالسجن والطرد والتغريم، فضلا عن كون كثير من الذاهبين لا قدرة لهم على التحصيل لتدني مستواهم في العلم.
ومما يذكر أن عددا من الشراح يذكرون أن المعتبر في الوصول إلى مكة راكبا الوجه المعتاد في الركوب احترازا ممن قدر عليه بنحو طيران!!، فإنه لا يجب عليه الحج، وإن كان يسقط عنه إن فعله»، وإنما قالوا هذا لأن الطيران كان في زمانهم من خوارق العادات، أما اليوم فإن الأسفار البعيدة لا تتم غالبا إلا بالطيران، وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس ربما أخذ من كلام أهل العلم في بيئة مختلفة؛ ما لا ينبغي أن يؤخذ منه، وسيأتي مثل هذا عند الحديث على قطع السعي إذا أقيمت الصلاة.