للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحرموا منها، لكن المذهب أنه يفضل لهم ذلك، ويجزئهم إن أخروا الإحرام إلى ميقاتهم حيث كانوا يمرون به، وإلا تعين عليهم الإحرام من الميقات الذي مروا به.

وقوله في الحديث «ممن أراد الحج والعمرة»؛ دليل على أن من لم يرد الحج أو العمرة لا يلزمه الإحرام لدخول مكة، لكن مشهور مذهب مالك لزوم الإحرام بأحد النسكين لمن يريدها، ولم يستثنوا إلا من كان كثير التردد كالحطابين وكمن خرج من مكة للانتقال غير أنه نسي بها شيئا فرجع إليها، وكذا من خرج منها إلى مكان قريب ورجع قبل طول مكث، واعتبروا دخول النبي مكة من غير إحرام كما رواه مسلم (١٣٥٧) وغيره من خصائصه.

وقد جاء عن ابن عباس: «لا يدخل أحد مكة إلا محرما»، رواه البيهقي وقال الحافظ إسناده جيد، والذي يظهر خلاف هذا، لاسيما إذا كان المرء قد سبق له أن حج أو اعتمر على القول بوجوب العمرة، فإن كلا منهما لا يجب إلا مرة في العمر، إلا أن ينذره المرء، فأما حديث: «لا يجاوز أحد ذات عرق حتى يحرم»، رواه ابن أبي شيبة (١٥٦٨٥) عن ابن عباس؛ فحديث ضعيف، ولو صح؛ لكان تقييده وكذا ما قبله بمريد الحج والعمرة، وقوله في الحديث «حتى أهل مكة من مكة»، يعني أن من أراد الحج والعمرة من أهل مكة يحرمون منها، ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الحل، ولا إلى الميقات، لكن المذهب أن مريد الحج من أهل مكة يحرم منها، أما القارن والمعتمر؛ فلا بد له من الخروج إلى الحل، للقاعدة التي ذكروها، وهي أن كل نسك لا بد أن يجمع فيه بين الحل والحرم، لكن لما كان الحاج يخرج إلى الحل لزوما وهو عرفة؛ كان إحرامه من مكة كافيا، بخلاف المعتمر، وقد عولوا في ذلك على فعل النبي ، فإنه لم يحرم إلا من خارج مكة، وقد يقال إن هذا خارج عن مورد النزاع، لأن الكلام فيمن كان بمكة، وهو لم يكن مقيما بها، وقال المحب الطبري: «إنه لا يعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة».

قال في سبل السلام (٢/ ١٨٦) مجيبا عن هذا: «وجوابه أنه جعلها ميقاتا لها بهذا الحديث، كما أجاب عن حديث إعمار أم المؤمنين عائشة من التنعيم بأمره بما يعلم من موضعه في كتابه، وفحواه أن خروجها لم يكن على وجه الإلزام.

<<  <  ج: ص:  >  >>