المبرات؛ فقد يسر الله له الحصول على أجرها، فالحمد لله على فضله وإحسانه، وكرمه وامتنانه.
أما كون العمرة سنة مؤكدة؛ فلفعل النبي ﷺ كما تقدم، ولحضه عليها بأقواله، وأما أن ذلك يكون مرة واحدة في العمر؛ فلأنها نظير الحج، وهو لا يجب إلا مرة، فأما قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ﴾؛ فلا دليل فيه على الوجوب، لأنه وإن احتمل الإتيان بالفعل من أصله؛ فإن الاحتمال الأقوى منه أنه أمر بالإتمام، ولا يكون إلا بعد الشروع، والإتمام بعد الشروع مجمع عليه، فلا ينافي أن يكون الأصل مندوبا كالحج الزائد على الفرض، وهو نفل بالإجماع، وقد نزلت هذه الآية عام الحديبية سنة ست كما هو منصوص حديث كعب بن عجرة الصحيح، وليس الغرض منها إلا بيان أن من شرع في حج أو عمرة؛ فعليه أن يتمهما، فإن منعه مانع كما حصل للمسلمين مع النبي ﷺ فليذبح ما استيسر من الهدي، والظاهر أن الحج لم يكن يومئذ قد فرض، فإن آية افتراضه هي قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، وقد كان بعض المسلمين يحجون قبل افتراض الحج، وحج النبي ﷺ كذلك، وقيل إنه قد فرض سنة خمس لذكره في حديث ضمام بن ثعلبة، لكن رجح الحافظ في الإصابة أنه وفد سنة تسع من الهجرة، قال مالك:«العمرة سنة، ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها، ولا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مرارا»، وهو في الموطإ باب جامع ما جاء في العمرة.
وقد قيل بوجوب العمرة اعتمادا على ذلك الاحتمال في آية سورة البقرة، وثمة أحاديث ظاهرها الوجوب، لكن لم يخلص واحد منها من شائبة الضعف والمعارضة، وأقواها حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت:«يا رسول الله هل على النساء جهاد»؟، قال:«نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»، رواه أحمد وابن ماجة (٢٩٠١)، وصححه الألباني، وهو في صحيح البخاري (١٥٢٠) بلفظ: «يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد»؟، قال:«لا، ولكن أفضل الجهاد: حج مبرور»، ووجه دلالته