سنة (١٧٢ هـ)، ودولة الأغالبة في القيروان سنة (١٨٤ هـ)، والأغالبة هم أولاد الأغلب بن سالم التميمي قائد جيش بني العباس في فتح المغرب.
وقد كانت دولة الأغالبة مالكية، أعني الذي عليه عموم الناس في العبادات والمعاملات والقضاء، أما حكامها فقد كان بعضهم على مذهب الاعتزال أسوة بما كان عليه الأمر في المشرق على عهد المأمون والمعتصم والواثق العباسيين.
وقد عرفت البلاد في عهد هذه الدولة تقدما علميا ونهضة حضارية، لكنها ما لبثت أن ذهب ريحها بعد أزيد من قرن، لتحل محلها دولة العبيديين الذين تسموا بالفاطميين سنة (٢٩٧ هـ)، ثم ناب عنهم في الحكم الزيريون ابتداء من سنة (٣٦٢ هـ).
وابن أبي زيد من علماء القرن الرابع الهجري، عاصر العبيديين الذين حكموا البلاد، وقد أسس قائدهم الأول عبد الله المهدي مدينة المهدية سنة (٣٠٨ هـ)، أي قبل ولادة ابن أبي زيد بسنتين، ثم ارتحلوا بعد عقود إلى مصر، وأنابوا وكلاء عنهم، يحكمون بلاد إفريقية من بني زيري بن مناد الصنهاجيين سنة (٣٦٢ هـ).
وبظهور العبيديين ابتدأ صراع مذهبي عنيف بين السنة المتمثلين في المالكية، الذين كان قد انتشر مذهبهم على يد الإمام سحنون بن سعيد التنوخي راوي المدونة عن عبد الرحمن ابن القاسم تلميذ مالك بن أنس ﵏، وبين الشيعة الحكام، وقد تعرض كثير من العلماء للبطش والاضطهاد والقتل على أيديهم، بسبب معارضتهم لسب الصحابة، والإفتاء بمذهب مالك، وعدم الانصياع لهم في ألفاظ الأذان وغير ذلك، مما رآه العلماء مسوغا لقتالهم، فمات بعضهم مجاهدا، منهم عباس بن عيسى الممسي، وربيع القطان بن عطاء الله القرشي اللذان قتلا سنة (٣٣٣ هـ)، وبعض المتوفين من شيوخ ابن أبي زيد، وقد قتل في لقاء واحد مع العبيديين خمسة وثمانون من العلماء والعباد كما ذكر ذلك المؤرخون.
ومما يعطي صورة موجزة عن هذا الوضع ما ذكره القاضي عياض في المدارك في ترجمة أبي الفضل العباس بن عيسى الممسي أحد شيوخ ابن أبي زيد قال: «كان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد في حالة شديدة من الاهتضام والتستر، كأنهم ذمة، تجري عليهم في