للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثرة الأيام محن شديدة، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم، ونصبوا حسينا الأعمى السباب لعنه الله تعالى في الأسواق للسب بأسجاع لقنها، يتوصل منها إلى سب النبي في ألفاظ حفظها، وعلقت رؤوس الأكباش والحمر على أبواب الحوانيت، عليها قراطيس معلقة، مكتوب فيها أسماء الصحابة؛ اشتد الأمر على أهل السنة، فمن تكلم أو تحرك قتل أو مُثل به، وذلك في أيام الثالث من بني عبيد، وهو إسماعيل الملقب بالمنصور لعنه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة … »، انتهى.

وقال في ترجمة أبي جعفر أحمد بن موسى التمار: «ودارت على أناس كثيرين من المدنيين وغيرهم محن كثيرة، كمحنة عمروس في خلع لسانه، وابن معتب في ضرب ظهره، وابن المدني في ضرب ظهره وصفعه، وابن اللباد بسجنه، وابن البرذون وابن هذيل بقتلهما وصلبهما، وأشياء كثيرة من جهة ترك (حي على خير العمل) في الأذان، وترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، والفتيا بمذهب مالك رضي الله تعالى عنه»، انتهى.

وقد توانى بعض فقهاء المالكية في مناصرة دولة الأغالبة كما قلت، لما لحق بعضهم من أذى على يد حكامها، وكثير منهم على منهج الاعتزال كما سبق، فكان في ذلك نوع مساعدة على إقامة حكم العبيديين الذين هم شر منهم، فما أن استلموا زمام الأمور حتى عملوا على تقوية مذهب الحنفية وقد كانوا أقلية؛ نكاية في المالكية الذين ناهضوهم، فأصبح منهم القضاة والمفتون، وأخرج العبيديون أضغانهم على المدنيين، فجرت على أهل السنة ولا سيما العلماء منهم في تلك المدة محن، وقد أثر موقف العبيديين هذا على الحنفية، فكان من جملة أسباب عزوف الناس عن مذهبهم في هذه البلاد، وإن انتعش قليلا بعد دخول العثمانيين فيما بعد بقرون.

لكن بني عبيد قد ولوا بعض المالكية القضاء بإلحاح عليهم للتغطية على كيدهم ومكرهم كما فعلوا مع أبي عبد الله بن أبي منظور المتوفى سنة (٣٣٧ هـ)، ومرادهم تهدئة نفوس علماء السنة وسائر الناس، فكان من شرطه في قبوله تولي القضاء أن لا يقبل لهم صلة، ولا يركب لهم دابة، ولا يقبل شهادة من أقاربهم، ولا يركن إليهم، فلم يجدوا بدا من إجابته إلى ما شرط.

<<  <  ج: ص:  >  >>