وكلمة التوحيد مما يجب اعتقاده والنطق به، فلا يكفي أحدهما عن الآخر، وقد أكذب الله المنافقين إذ حكى قولهم ثم رده، فقال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقين: ١]، وذلك لأن نطقهم مخالف لاعتقادهم.
وبشهادة أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله يدخل الكافر الإسلام، فتعصم بها الدماء والأموال والأعراض، كما ورد في قول النبي ﷺ:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ﷿»(١)، وإنما قيل حتى يشهدوا لأن الشهادة الإخبار بالشيء عن علم به واعتقاد لصحته وثبوته، قال تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: ٨٦].
وكلمة التوحيد شطران نفي وإثبات، لا بد منهما معا قولا واعتقادا وتطبيقا، وقد جمع الله تعالى بين الكفر بالطاغوت والإيمان به في مواضع كثيرة منها قوله سبحانه: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: ٢٥٦]، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ [الزمر: ١٧]، والطاغوت كل ما عبد من دون الله، وقد فسره عمر ﵁ بالشيطان، قال ابن كثير:«ومعنى قوله في الطاغوت إنه الشيطان قوي جدا، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية، من عبادة الأوثان، والتحاكم إليها، والاستنصار بها»، انتهى، فالتوحيد ينافي التعديد، والضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإما كفر وإما إيمان.
وعبادة الله وحده أول ما دعا النبيون إليه أقوامهم، فما منهم من أحد إلا وابتدأ بذلك، وقد حكى الله هذا عن كثير من أنبيائه، ومنهم نوح ﵇: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾ [الأنبياء: ٢٥].
(١) متفق عليه: البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٢) عن أبي هريرة.