للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستغاثة عن غير الله، وكذلك الاستعانة أيضا، فيها ما لا يصلح إلا لله، وهي المشار إليها بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)[الفاتحة: ٥]، فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله، وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، وكذلك الاستنصار، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: ٧٢] والنصر المطلق هو خلق ما به يغلب العدو، ولا يقدر عليه إلا الله (١)، انتهى.

لم يكلفنا الله تعالى بمعرفته المجردة، بل أمرنا بعبادته، وعبادته تعالى تتضمن معرفته، فهي تنطوي على العلم به والطاعة له معا، وكيف يذل المرء له ويحبه ويخضع له وهو لا يعرفه؟، وعبادته بهذا المعنى أعظم ما يتلذذ به المؤمن في دنياه، والنظر إليه تعالى أعظم ما يتلذذ به في أخراه، فيكتنفه نعيمان: نعيم كلف به، ونعيم جوزي به، ولذلك أثر عن ابن عباس تفسير توحيد الله بعبادته، فمعنى اعبدوا الله وحدوا الله، فليس المطلوب عبادة الله فحسب، بل عبادته وحده، ولذلك كان أساس دعوات الرسل إفراد الله تعالى بالعبادة لا مجرد العبادة.

أما المعرفة المجردة فإن مثال إبليس حاضر لا يجهله أحد، فإنه (عارف) بالله، لكنه استكبر، كما قال الله تعالى ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)[البقرة: ٣٤]، ومن العجيب أن يتواطأ بعض الناس على هذا الوصف عنوانا على رفعة المكانة في طاعة الله تعالى، فيقولون العارف بالله، ومع ذلك كثيرا ما يقول هذا العارف بحلوله تعالى في خلقه أو اتحاده بهم، أو يحوم حول هذا الأمر، إن المنزلة العظيمة عند الله تعالى تؤدي إلى مزيد الطاعة والخضوع والتواضع لله، وأعلم الخلق بالله هم الأكثر تقوى له، وقد قال رسول الله : «إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» (٢)، ولذلك نفى الله تعالى عن الملائكة الكرام الاستكبار في أكثر من موضع في القرآن، يعني وهم من هم في علو المنزلة وعظم الخلق، وما أوكل الله إليهم من التصرف في شؤون خلقه؟، قال


(١) «مجموع الفتاوى» (١/ ١١٢).
(٢) متفق عليه: البخاري (٢٠)، ومسلم (٢٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>