للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩]، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)[النحل: ٤٩ - ٥٠]، وهكذا قال تعالى عن المسيح ردا لإفك النصارى باتخاذه إلها: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: ١٧٢].

قال أبو عبيد القاسم بن سلام يردُّ على مذاهب المبتدعة الذين يقولون إن الإيمان مجرد المعرفة: «وهذه الأصناف يكسر قولهم ما وصفنا به باب الخروج من الإيمان بالذنوب، إلا الجهمية فإن الكاسر لقولهم قول أهل الملة وتكذيب القرآن إياهم حين قال: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦]، وقوله: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، فأخبر الله عنهم بالكفر إذ أنكروا بالألسنة، وقد كانت قلوبهم بها عارفة، ثم أخبر عن إبليس أنه كان من الكافرين، وقد كان عارفا بالله بقلبه ولسانه أيضا، في أشياء يطول ذكرها، كلها ترد قولهم أشد الرد، وتبطله أقبح الإبطال».

وفي القاموس: «ومعنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع، ومنه طريق معبد إذا كان مذللا بكثرة الوطء، وقال في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾: نطيع الطاعة التي يخضع معها»، فتفسير العبادة بالطاعة مع الخضوع أصوب من تفسيرها بمطلق الطاعة، فإنها قد تقتصر على الظاهر.

وقال الراغب في مفرداته: «العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها، لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولهذا قال: ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: ٤٠].

وقال ابن كثير في تفسير سورة الفاتحة: «وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف»، وهذا يشمل كل ما شرعه الله ليعبد به، ولبعضهم: «إنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة».

وقال أيضا: «والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل، فالحب الخلي عن الذل؛

<<  <  ج: ص:  >  >>