والذل الخلي عن الحب؛ لا يكون عبادة، وإنما العبادة ما يجمع الأمرين» (١).
وقال ابن جرير الطبري في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، قال: لك اللهم نخشع ونذل ونستكين، إقرارا لك بالربوبية لا لغيرك، ثم قال: والعبودية عند جميع العرب أصلها الذلة، وأنها تسمي الطريق المذلل الذي قد وطئته الأقدام، وذللته السابلة معبدا».
وقال الشيخ محمد رشيد رضا:«هي ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة للمعبود لا يعرف منشأها، واعتقاده بسلطة له لا يدرك كنهها»، انتهى، لكن القول بعدم معرفة منشإ عظمة المعبود سبحانه، وعدم إدراك كنه سلطته فيه شيء، إن لم يكن التعبير بالسلطة فيه شيء أيضا.
فأنت ترى أن للعبادة ركنين هما كمال المحبة، وكمال الخضوع، ولهذين الأمرين لوازم وتوابع، فمن حاز كمال المحبة أطاع الطاعة التامة، فعظم من أحبه، وتقرب إليه، ودعاه، واستغاث به ورجاه، وتوكل عليه، ورغب فيما عنده، ومن خضع له خافه، ففعل ما يرضيه واجتنب ما يغضبه.
وعرف العبادة أهل الأصول تعريفا يميزها عما عداها فقالوا:«هي ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي»، فالحاصل أن مرد العبادة إلى الشرع لا دخل فيها لغيره من العرف او العقل قال الله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (٢١)﴾ [الشورى: ٢١].
وقد اعتبر المتصوفة العبودية أعلى من العبادة، فإن ما كان من الطاعات عندهم لخوف من عقاب، أو لطمع في ثواب، فهو عبادة، وإن كان لمجرد التشرف بعبادة الله والانتساب إليه، فهو عبودية، وأعلاها أن يعبده لكونه إلها خالقا مستحقا للعبادة لا غير.
وهذا لو كان اصطلاحا لما كان مقبولا، لأنه لا داعي إليه، فكيف وقد رتبوا عليه من الغلو ما سمعت؟، فإن أنبياء الله ورسله وملائكته يدعون ربهم رغبا ورهبا، وخوفا وطمعا، يرجون رحمته، ويخافون عذابه، وقد أمر الله عباده بالرغب إليه، والرهب منه، فقال: