وهذا باق إلى يوم القيامة لقوله ﷺ:«لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»، رواه أبو داود (٢٤٧٩) عن معاوية ﵁.
لكن الواقع الآن يختلف عما كان عليه قبل، فإن من أسلم من الكفار؛ لا حرج عليه في الإقامة في بلاد الكفر، لأن الدول الإسلامية لا تجيز الانتقال إلى أراضيها، ولا تمنح جنسياتها للمسلمين الراغبين في الإقامة بها، فينطبق على هؤلاء وصف المستضعفين، وتقوى الله بحسب الاستطاعة، فهؤلاء لا ينالهم الوعيد الذي في قول النبي ﷺ:«أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى ناراهما»، رواه والترمذي (١٦٠٤) والنسائي وابن ماجة عن جرير، وصحح الحافظ إسناده في بلوغ المرام، وفيه كما ترى منع مساكنة المسلم للكافر، بل ومجاورته، وروى أبو داود (٢٧٨٧) عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله ﷺ: «من جامع المشرك وسكن معه؛ فإنه مثله»، ومعنى جامعه؛ اجتمع معه، لكن يظهر والله أعلم أن مجرد الاجتماع بالمشرك للحاجة ليس هو المنهي عنه، بل المقصود اجتماع المرافقة فضلا عن الموافقة والمؤانسة والمصاحبة كما عليه كثير من المسلمين، حكاما ومحكومين.
فأما هجرة المسلم من دار الإسلام إلى دار الكفر ولو كان ساكنوها من أهل الصلح؛ فإنها محرمة لما يترتب عليها من الوقوع تحت سلطانهم والخضوع لقوانينهم، واستغلالهم في الضغط على بلدانهم، فضلا عن الامتهان الذي يلحق المسلم، والفتن التي يتعرض لها، ويعرض لها أولاده، فالذهاب إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا لواحد من أمور هي الجهاد المشروع كما تقدم، وطلب علم دنيوي لا يوجد في بلاد المسلمين، وصلة الرحم، والتجارة، والسفارة، بل لا تجوز الهجرة للإقامة في بلد مسلم إذا كان مريد الهجرة مقيما في بلد خير منه في ظهور السنة وقلة القوانين المناهضة للشرع، ومثال ذلك الهجرة من الجزائر للإقامة في تونس.
فإن قيل: إن بلاد المسلمين فيها من التفريط في الشرع ما لا يخفى، وبعضها قد فصل فيها الدين عن الدولة فعلا، وإن لم يرتض حكامها ذلك قولا؛ فالجواب: أن الدار عند أهل العلم إما دار إسلام وإما دار حرب، فدار الإسلام، قد قيل إنها هي التي يجري فيها حكم