كان لها رأي، بدليل صحة بيع الصبي عندهم، وإن توقف على إمضاء وليه، وإن كانت غير مميزة؛ فلينظر في جدوى تزويجها، والاحتجاج للمسألة بتزويج أبي بكر عائشة للنبي ﷺ، وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع؛ قوي، ودعوى الخصوصية لا تقبل من القائل بها، ولكن الرجل إذا كان عالما بموافقة ابنته على الزواج؛ فلا ينبغي أن يختلف في إمضائه، ولا علم عندنا بما جرى في ذلك التزويج من التفاصيل.
وقد صار تزويج الصغيرة في هذا الزمن مما يتعجب منه بعضهم كيف يشرعه الله تعالى؟، وقد رأيت بعض المنسوبين للعلم يقيده بتسع عشرة سنة وما دريت ولا إخالني أدري من أين استقى هذا القيد إلا أن يكون ذلك مِنْ خبراء الأمم المتحدة الذين صاروا يقترحون على المسلمين السن التي يباح فيها تزويج نسائهم، والحكم كما علمت قرآني والقرآن لم يوجب تزويج الصغيرة، ولكنه لم يمنع ذلك، ومن أنكر الجواز بإطلاق فما بي من حاجة إلى ذكر موقعه من الدين، وقد روى النسائي عن بريدة بن الحصيب قال: خطب أبو بكر وعمر ﵄ فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقال رسول الله ﷺ:«إنها صغيرة»، فخطبها علي فزوجها منه، قال الألباني بسند صحيح، قال السندي:«فيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية لكونها أقرب إلى الألفة، نعم قد يترك ذلك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة -رضي الله تعالى عنها-» انظر التعليقات الرضية للألباني (٢/ ١٥١).
أما البكر البالغ؛ فقد أثبت مالك في موطئه أثرين عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أنهما كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن، ونقل عنهما وعن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها؛ إن ذلك لازم لها، واحتج بعمل أهل المدينة فقال:«وذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار».
وقد احتج لتزويج الأب بنته البكر من غير رضاها بمفهوم المخالفة في قول النبي ﷺ:«تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت؛ فهو إذنها، وإن أبت؛ فلا جواز عليها»، رواه أبو داود (٢٠٩٣) والترمذي (١١٠٩) عن أبي هريرة، وحسنه، قالوا هذا دليل على اختلاف اليتيمة عن غيرها فلا تستأمر، وهذا كما ترى اعتماد على مفهوم اللقب، وهو من أضعف المفاهيم، وقالوا إن تسمية المرأة يتيمة هنا باعتبار ما سبق، وهو موت أبيها قبل بلوغها،