وإلا فإن من بلغت لا تدعى يتيمة، فالمراد باليتيمة البكر البالغة، هذا معنى ما قاله الخطابي في معالم السنن، والمسألة مبنية على جواز إطلاق الوصف بعد مفارقته الذات، وفي ذلك أقوال ذكرها صاحب المراقي في الأبيات (١٨١) إلى (١٨٤)، وقد بنوا عليها حكم من قذف مطلقته قبل زواجها، هل يلاعن أو يحد؟، وحمل لفظ اليتيمة على البكر البالغة مجاز مفتقر إلى دليل صارف عن الحقيقة فأين هو؟، ولذلك فالظاهر صحة الاحتجاج بهذا الحديث على جواز تزويج اليتيمة، ومعنى لا جواز عليها، أي فلا تعدي عليها بإجبارها على النكاح.
ومن الأدلة على تزويج الأب بنته البكر من غير رضاها عندهم؛ قول النبي ﷺ:«الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها»، رواه مالك (١١٠٣) ومسلم وأصحاب السنن عن ابن عباس، ووجه الدليل منه أنه أثبت الحق للثيب في الزواج، ومعناه عند الجمهور؛ أنها لا تزوج إلا برضاها، وتصريحها بقولها، فدل على أن البكر بخلافها، وهذا ليس بجيد، فإنه كما ترى ليس فيه إلا التفريق في درجة التعبير عن قبول الزواج من الثيب والبكر، مراعاة لطبيعة كل منهما، وما هي عليه من الخصوصية، ومن الخفر والحياء، ولأن الحديث ذكر استئذان البكر، فيكون الاستئذان مطلوبا، والظاهر وجوبه، إذ كيف يقال بوجوب الاستئمار، وندبية الاستئذان وهما في سياق واحد؟، وبعد ذلك فما الفائدة من الاستئذان إذا أبت فزوجت من غير قبولها؟، يقويه أنه اعتبر إذنها وهو صماتها أي سكوتها، فإذا أبت؛ فلا يصدق عليها أنها أذنت، وقد اعتل بعض أهل العلم بأن الاستئذان لا يراد منه هنا إذن المرأة المراد تزويجها، قالوا: يدل عليه قول النبي ﷺ: «آمروا النساء في بناتهن»، رواه أبو داود (٢٠٩٥) عن ابن عمر، قالوا وليس المراد أنهن إذا أبين تزويج بناتهن لا يمضي تزويج الآباء.
قلت: هذا غريب، فإنه إذا صح هذا؛ وقد جاء ما يصرفه عن ظاهره؛ فأين ما يصرف استئذان البكر عن ظاهره؟، ثم إن الأول استئذان في الغير، وهذا استئذان في النفس، فكيف يسوى بينهما؟.
أما مالك ﵀؛ فقد حمل البكر في الحديث على من لا أب لها، روى ذلك عنه ابن