القاسم وابن وهب وعلي بن زياد كما في المدونة، ولعل سبب الحمل ما سبقت الإشارة إليه مما ذكره من الآثار في تزويج الأبكار من غير استئذانهن، مع شيوع ذلك في المدينة، وقد رد الباجي في المنتقى (٣/ ٢٦٦) رواية مسلم التي صُرح فيها بالفاعل، أعني قوله ﷺ:«يستأنذنها أبوها»، بترجيح الرواية التي بُني فيها الفعل لما لم يسم فاعله، أعني قوله والبكر تستأذن، وهذا ليس بشيء، فإن الروايتين لا داعي للترجيح بينهما، فإن إحداهما من تصرف الرواة بلا ريب؛ متى كان الحديث واحدا، ولم يرد ما يدل على تكريره منه ﷺ، ولأن التصريح بالفاعل هو الأصل.
ثم رجح الباجي ما ذهب إليه بما جاء من ذكر اليتيمة في بعض الأحاديث، وهذه اللفظة إن جاءت في الحديث نفسه؛ كانت شبهة قوية، وإن جاءت في غيره من الأحاديث فلا منافاة، لما تقدم من أن لفظ اليتيمة مفهوم لقب، ومما احتج به مالك على تزويج الأب البكر البالغ من غير موافقتها قول الله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (٢٧)﴾ [القصص: ٢٧]، ولم يذكر مشورة، وهو من سماع ابن القاسم عنه كما في النوادر (٤/ ٣٩٤).
وعدم ذكر المشورة في السياق بعد تسليم الاستدلال بشرع من قبلنا، وهو معروف عن مالك، عده من أصوله غير واحد من أعلام المذهب؛ لا يدل على عدم وجودها، والتي تزوجها موسى ﵊ يظهر أنها هي التي أرسلها إليه أبوها، فقالت له: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)﴾ [القصص: ٢٦]، وهي التي اقترحت على أبيها أن يستأجره لقوته التي رأتها، وأمانته التي خبرتها، فأي مشورة بقيت على أبيها تجاهها وقد صدر عنها هذا الامتداح إذا سلمنا أنه لم يشاورها؟، ولو سلمنا ذلك؛ فإن هذا شرع من قبلنا، والخلاف فيه معروف؛ لو لم يأت في شرعنا ما يخالفه، وقد ترجم البخاري بقوله:«لا يُنكح الأبُ وغيُره البكر والثيب إلا برضاهما»، وأورد تحت الترجمة قول النبي ﷺ:«لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟، قال: «أن تسكت»، قال الحافظ: «إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة، بكرا كانت أو ثيبا، صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر