﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ (٢٣)﴾ [مريم: ٢٢ و ٢٣]، ومعتمد ابن كثير أن التعقيب في كل شيء بحسبه، ومثل ذلك قول ابن عباس ﵄ في معنى الحمإ المسنون الذي خلق منه آدم ﵇، قال ابن كثير:«قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: المراد بالصلصال هاهنا التراب اليابس»، والظاهر أنه كقوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)﴾ [الرحمن: ١٤ و ١٥]، وعن مجاهد الصلصال المنتن، وتفسير الآية بالآية أولى»، انتهى.
وقد رجح ابن العربي وبعده النووي أن النسخ اعترى نكاح المتعة مرتين، وسواء علينا أقلنا إنه نسخ متكرر، أو ترخيص تكرر للضرورة، ولعله هو الذي يترجح؛ فإن تحريمه على التأبيد قد ثبت كما رأيت ابتداء من عام الفتح، وقد ورد أن النبي ﷺ رخص عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهى عنها، رواه مسلم (١٤٠٥) عن سلمة بن الأكوع ﵁، وأوطاس كانت عام الفتح، وعن علي ﵁ قال:«نهى رسول الله ﷺ عن المتعة عام خيبر»، رواه الشيخان:(م/ ١٤٠٧) وخيبر قبل أوطاس، وجاء في حديث ربيع بن سبرة أنه نهى عنها في حجة الوداع، رواه أبو داود (٢٠٧٢)، ولو ثبت؛ فليس بين روايتيه في زمن التحريم تضارب، لأن ذلك من باب تكرير ذكر الحكم للبيان في مواضع مختلفة، وليس بالضرورة أنه كلما تكرر ذكر التحريم أن يسبقه تحليل، فالصواب: أن يقال إن نكاح المتعة روعي التدرج في منعه نهائيا، بإباحته للضرورة أكثر من مرة، ولم ينفرد بهذا الأمر، فإن تحريم الخمر قد تدرج في مراحل ثلاثة، ومثله الربا.
ولتكرر ما ظاهره من الأدلة التحريم والتحليل؛ ترى بعض المحدثين إما أن لا يوردوا إلا أحاديث المنع كأبي داود ﵀، فإنه اكتفى في الباب بذكر حديث ربيع بن سبرة، وإما أن يوردوا من هذا وهذا، ولكنهم يجزمون بالحكم كالبخاري فإنه ترجم على الأحاديث الأربعة التي أوردها بقوله:«باب نهي رسول الله ﷺ عن نكاح المتعة أخيرا»، وصدر بحديث علي ﵁ وفي سنده ثلاثة من أهل البيت وهو حجة على الشيعة الذين شذوا بتجويزه، فإن عليا إمام أئمة آل البيت عندهم، وهو عندنا أيضا إمام وخليفة من الخلفاء الأربعة الراشدين الذين أمرنا أن نتبع سنتهم، وحديث علي لم يورد مالك غيره من