وقد كان أهل الجاهلية لا حد عندهم في الطلاق، يتعسفون فيه كما يشاءون، فيلحق المرأة أذى شديد، فجاء هذا الحكم وهو تحديد عدد الطلقات التي يملك معها المطلق العصمة إصلاحا لهذا الوضع، وإنما كانت المهلة اثنتين؛ لأنه بعد الطلاق الأول يذوق الطرفان ألم البعاد، ووحشة الفراق، ولا حليم إلا ذو عثرة، فإذا تراجعا كانت صلة جديدة مسبوقة بتجربة، ولا حكيم إلا ذو تجربة، فإن حصل ما ترتب عليه الطلاق ثانية؛ ترسخت التجربة واستحكم السبر، فإن تراجعا كانا أقدر على الصمود للعوارض، فإذا حصل بعد هذا طلاق؛ فقد تبين بهذا التكرار أن هذه الرابطة حَرِيَّةٌ بِالفَكِ، لأن مالكها وحده، أو هو وزوجه لم ينزلاها منزلتها، وهي كونها ميثاقا غليظا، فهو رُبَّانٌ لا قدرة له على القيادة، فلتنتزع منه، وهكذا المرأة إن كانت السبب المحرك المستفز لمشاعر الزوج، ولذلك اشترط في الطلاق الثلاث أن لا تعود تلك الرابطة حتى يتخللها نكاح من آخر ودخول، من غير تواطؤ على التحليل كما سبق، وفي اشتراط ذلك ترهيب للزوج الذي يتعلق بالمرأة، وكذلك الزوجة، فمتى علما أن الطلاق الثلاث لا رجعة بعده إلا بعد زوج؛ احتاطا، فإن فعلا ركبهما من الألم ما لا يخفى، على أنهما لا يدريان أيتراجعان أو لا؟.