للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن نظر في هذه النصوص وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره؛ ظهر له جليا أن أصل الطلاق من غير حاجة إليه الكراهة، وقد رُوي أن النبي قال: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، وهو في سنن أبي داود، ومما يدل على أن أصل الطلاق الكراهة فرح الشيطان بمن يفرق بين الرجل وبين امرأته من سراياه التي يبعثها ويدنيه منه كما هو في صحيح مسلم، قال مالك: «لقد أدركت من له امرأة ما له بها من حاجة، ويمنعه الحياء والتكرم أن يفارقها لئلا يطلع غيره منها على ما اطلع»!، قال سحنون أراه يزيد بن عبد الله بن هرمز، وهو في النوادر (٤/ ٣٨٨)، كما أوجب على الزوجة طاعة زوجها في المعروف، وقدم طاعته على طاعة والديها، حتى قال رسول الله : «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، رواه الترمذي (١١٥٩) عن أبي هريرة وحسنه.

أما عن شرح كلام المصنف ، فإن المسلمين قد أجمعوا على أن من طلق امرأته ثلاث تطليقات تخللتها رجعة في غير حيض ولا نفاس؛ حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ (٢٣٠)[البقرة: ٢٣٠]، والمراد بالنكاح الوطء، قال ابن العربي: «إذا احتمل اللفظ في القرآن معنيين، فأثبتت السنة أن المراد أحدهما؛ فلا يقال إن القرآن اقتضى أحدهما، وزادت السنة الثاني، وإنما يقال إن السنة أثبتت المراد منهما، والعدول عن هذا جهل بالدليل، أو مراغمة وعناد في التأويل»، انتهى، وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله ، وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟، لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»، رواه الشيخان (خ/ ٥٢٦٥)، وأصحاب السنن الأربعة، وأرادت بقولها هدبة الثوب - بضم الهاء وسكون الدال - أنه رخو مثل طرف الثوب لا يغني عنها شيئا كذا في النهاية، والهدبة في الأصل الشعرة النابتة في شفر العين، والعسيلة تصغير عسلة، وهي العسل، يذكر ويؤنث، وقال في النهاية: شبه لذة الجماع بذوق العسل، فاستعار لها ذوقا، وإنما أنث؛ لأنه أراد قطعة من العسل،،،».

<<  <  ج: ص:  >  >>