الله فالواجب أن يتلقى بالقبول والإذعان، كيف وقد دخلنا في عهد الإيمان، وكره الله إلينا الكفر والفسوق والعصيان؟، ولا نضرب لله الأمثال فإنه يعلم ولا نعلم، وهو علام الغيوب، فإن كان لا بد من بيان حكمة؛ فنقول أليس من اللازم للرجل إذا تزوج أن يصدق امرأته، ولا يصح النكاح بغير صداق؟، فإذا لم يكن مضارا للمرأة ورغبت في فراقه؛ كان مناسبا أن تعينه على أن يتزوج، وأن تعوضه عن فراق لم يتسبب هو فيه في الظاهر، فكيف إذا كانت مضارة له بفجور لم يتمكن من ردعها عنه، ولا من إثباته عليها لو كان هناك حاكم يحكم بما أنزل الله، ولا تنس أنه مطالب بتمتيعها إذا طلقها إحسانا وإكراما لها وجبرا لخاطرها، كما سيأتي، فلم لا تطالب هي بمثل ما طولب به مع قوة الداعي لذلك كما علمت، وفي المقابل قد تضرر المرأة بأمر لا تُعطَى فيه الحق من الجهات الحاكمة كأن يكون الزوج تاركا للصلاة، أو معاقرا للخمر، أو المخدرات، أو مخالطا للنساء، فما ذا تفعل إذا أبى أن يطلقها، فكان من رحمة الله تعالى بعباده؛ أن شرع لهم الخلع، فله الحمد والمنة.
أما أن مجرد الخلع طلاق، ولو لم يطلقها؛ فلأن الزوج قصد مفارقتها على مال، واتفقا على ذلك، فكان من الكنايات الظاهرة، والطلاق يقع بها، وأما أنه لا رجعة له عليها؛ فلأنه إن ظل يملك العصمة عليها بعد حصول الخلع؛ فات الغرض من الفداء، فإنها لا تفتأ أسيرته، وقول ابن حزم إنه ليس بائنا، وأنه يملك الرجعة عليها، ولها أن تطالبه برد المال إذا راجعها - مع قوله بأنه طلاق - يلزم منه الدور إلى أن تنقضي الثلاث طلقات، قتخرج عن عصمته بلا شيء، وقد قيل إن الخلع ليس بطلاق، وإنما هو فسخ، ومما استدلوا به أن الله تعالى ذكره بعد قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، ثم ذكر بعده الطلقة الثالثة التي تحرم المرأة بها إلا بعد زوج، ولهذه الآية احتج ابن عباس على أنه ليس طلاقا، لإذ لو كان الخلع طلاقا؛ للزم أن يكون الطلاق المحرم رابعا، لا ثالثا، وهذا ليس بشيء، لاحتمال أن يكون الخلع من أفراد الطلاق غير المحرم، فلما كان فيه فداء ذكر على انفراد، ومع هذا فمذهب اعتباره فسخا؛ أقوى، ومن الأدلة على ذلك ما رواه أبو داود (٢٢٢٩) والترمذي وحسنه عن ابن عباس ﵄«أن امراة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي ﷺ عدتها حيضة».