بالثمن ولا يدرى هل توجد تلك السلعة على ما رآها المبتاع أم لا؟، فلذلك كره ذلك، ولا بأس به إذا كان مضمونا موصوفا»، انتهى.
وفي هذا العصر يغني عن كثير من هذه الشروط التي وضعها العلماء لتجنب الغرر المحتمل في بيع الغائب البطاقات التي تحمل أوصافا دقيقة عن تركيب المبيع وبيان نوعه وتأريخ إنتاجه وانقضاء صلاحيته وغير ذلك، وحدث من وسائل الاتصال والانتقال والضمان ما يزول معه كثير من الغرر.
وبعد هذا عليك أن تذكر أن الشرع قد نهى عن بيع الغرر وعن بيع ما ليس عند البائع، وهذان الأمران يدخلان في بيع الغائب، فيحتاج القول بجوازه إلى الدليل، والاستدلال على هذا الأمر بمثل قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)﴾ [البقرة: ١٤٦]، ليس بالمقبول، وقد احتج مالك على جواز البيع على الوصف بما حكاه في الموطإ قال:«وهذا الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا يجيزونه بينهم إن كان المتاع موافقا للبرنامج، ولم يكن مخالفا له»، انتهى، وقد يستدل على جواز بيع الغائب بالقياس الأولوي على السَّلَم المضمون في الذمة، مع أنه لا يتعلق بمعين، وفيه تقديم الثمن لزوما، لكن هذا قد يطعن فيه بأن السَّلَم رخصة فلا يقاس عليها، ولأن فيه استفادة البائع بالثمن واستفادة المشتري بالضمان، وليس شيء من ذلك موجودا في بيع الغائب، نعم قد حصل في هذا العصر ما يكون الاعتماد عليه في الوصف من باب اليقين فتزول معه الجهالة بالمبيع، فإن وصف السلع المكتوب لا يقارن بالرؤية لما في الوثائق من الإلزام، لكن يبقى الأمر الآخر وهو بيع ما ليس عند المرء محتاجا إلى دليل، فيقال إن المشتري إذا رأى السلعة فلم يرضها فإنه لم يتحقق مناط صحة عقد البيع وهو التراضي، فإن رضيها بأن تحقق فيها الوصف فقد تم العقد الآن لا قبله، وما قبله لم يكن هو العقد لما فيه من الخيار فإنه على الوقف كما سبق، وانظر السيل الجرار (٣/ ٩٨).
ويتفرع عما تقدم أن بيع الأعمى وشراءه جائزان لأنهما بمنزلة الوصف مع انضمام عمل الحواس الأخرى كاللمس والشم عند اللزوم، وقال بعضهم إن من ولد أعمى وهو الأكمه لا يجوز بيعه ولا شراؤه لأنه لا يمكنه أن يفهم الوصف إذ لا علم سابقا عنده يجعله يتصور الأشياء، وانظر أحكام عقد البيع ص (١٣٩) للشيخ محمد سكحال المجاجي وفقه الله.