تعالى قد بين في كتابه درجات تكليمه أنبياءه، فقال: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١]، وتكليمه موسى ﷺ من النوع الثاني.
وقد أكد الفعل بالمصدر ليدل على تحقق الكلام، فإن قوله تكليما مفعول مطلق مؤكد لعامله كما يقول النحاة، فانتفى أن يكون مجازا عند من يثبت المجاز في القرآن، وقال تعالى: ﴿قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾ [الأعراف: ١٤٤].
والكلام كان من الله تعالى لا من الشجرة، ولا من غيرها، وسمعه موسى ﵇ بأذنه، فإن هذا هو الأصل، ولا ينبغي أن يقال إنه خاطبه بغير حرف ولا صوت، فإن الكلام الذي نعرفه لا يكون إلا كذلك، وإثبات الحرف والصوت لا يلزم منه التمثيل، كما في إثبات سائر الصفات، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: ﴿يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ٩ - ١٠]، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ [القصص: ٣٠ - ٣١]، وقال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢)﴾ [مريم: ٥٢]
قال الحافظ ابن كثير: روى الحافظ أبو بكر بن مردويه أن رجلا جاء إلى أبي بكر ابن عياش فقال: سمعت رجلا يقرأ: «وكلم الله موسى تكليما»، (يعني بنصب اسم الجلالة)، فقال أبو بكر:«ما قرأ هذا إلا كافر،،،»، ثم قال ابن كثير:«وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش ﵀ على من قرأ كذلك، لأنه حرف لفظ القرآن ومعناه»، انتهى المراد منه.
وذكر أيضا أن أحد المعتزلة نفاة تكليم الله موسى ﷺ قرأ على بعض المشايخ:«وكلم الله موسى تكليما»، فقال له:«يا ابن اللخناء!!، كيف تصنع بقوله تعالى: «ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه»؟، انتهى، وجاء في الحديث الصحيح قول آدم لموسى عليهما الصلاة والسلام:«أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه،،،»(١).
وقد احتاج المؤلف إلى زيادة كلمة (بذاته) في كتاب الجامع للرد على من قالوا إن