الله خلق كلاما في الشجرة إلى آخر تلك التخرصات، كما زادها في استوائه ﷾ على عرشه، فقال:«وأن الله ﷿ كلم موسى بذاته، وأسمعه كلامه، لا كلاما قام في غيره»، وهذا يدحض قول من أرهق نفسه في رد هذه الكلمة لما لم يفهم مراد المؤلف منها، أو فهم مراده وتعصب، وهو يدل على إحساس المؤلف بالحاجة إلى مثل ذلك فيما تأخر من تآليفه، وفيه الرد أيضا على هؤلاء الذين ينسبون كل من بين شيئا ووضحه إلى الإحداث في الدين، كما زعم صاحب كتاب جذور البلاء، وما البلاء إلا فيما كتبه.
وقال القاضي عبد الوهاب فيه رد على:«الجاعلين كلامه من صفات فعله، وأنه بمثابة سائر الأعراض التي تبيد وتفنى، وأنه من جنس كلام البشر ولغات الأمم،،،»، انتهى، وهذا حق إذا كان المراد منه الرد على من قال بأن كلامه تعالى مخلوق، أما إن كان المقصود عدم تكلمه تعالى متى شاء فلا، فإن الأدلة متظافرة على ذلك، وتكليم الله موسى من هذا القبيل.
وموسى ﷺ حين أكرمه الله بمزية تكليمه وخصه بها؛ تاق إلى رؤية ربه، فإن العادة جارية أن من يكلم أحدا يراه، وللعيان؛ أثره على الإنسان، حتى قيل: وليس الخبر كالمعاينة، وقيل:
ولكن للعيان كبير معنى … له طلب المكالمة الكليم
ولهذا سأل الرؤية فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فجاءه الجواب من الله تعالى: ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فعلق سبحانه رؤيته على أمر ممكن، هو استقرار الجبل، ودل على إمكانية تجليه أي ظهوره سبحانه للجبل وهو جماد، بيد أنه حين تجلى له جعله دكا، ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ أي مستويا من عظمة الله وجلاله، فكان ذلك إيذانا بعدم إمكانية رؤية موسى ﷺ ربه في الدنيا، لكون ما علقت عليه لم يحصل، وقد كنت في مجلس فيه بعض المتحذلقين بوهران وهو دكتور في جامعتها فجرى ذكر نبي الله موسى ﷺ، فقال هذا الدكتور إن من قلة الحياء أن يطلب موسى رؤية الله!! فرددت عليه بما رأيته مناسبا، وهو أن الانبياء أعرف الناس بالله فلا يسألونه محالا، وعنفته على قبح كلامه، فتراجع،