للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتبر بعض الحاضرين أني عكرت صفو مجلس عقد النكاح بما قلت، وأي صفو هذا الذي يصحبه الطعن في الأنبياء؟.

وقد دلّ الدليل على أن الله تعالى لا يرى في الدنيا كما في الحديث الذي رواه مسلم والنسائي مرفوعا: «تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت» (١)، تعلموا فعل ملازم لصيغة الأمر عند النحاة بمعنى اعلموا، والغاية في هذا الحديث دالة على أن ما بعد الموت مختلف عما قبلها، فنفي الرؤية في الآية إنما انصب على الدنيا، فلا يتعدى إلى ما بعدها، وقد دل كتاب الله في غير ما آية بالمفهوم والمنطوق، وكذا حديث رسوله على رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يكرمهم بالنظر إلى وجهه الكريم.

قال ابن نافع وأشهب يزيد أحدهما على الآخر قلت: يا أبا عبد الله وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة، ينظرون إلى الله؟، قال نعم بأعينهم هاتين، قلت له: فإن قوما يقولون لا ينظر إلى الله، إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب، قال كذابون، بل وإنما ينظرون إلى الله، أو ما سمعت قول موسى : ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾، أفترى موسى سأل ربه محالا؟، فقال الله «لن تراني»، لأنها دار فناء، ولا ينظر ما يبقى بما يفنى، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى، وقال الله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)[المطفِّفين: ١٥] (٢).

وزعم الزمخشري أن لن تفيد تأبيد النفي، وهو كلام مردود، فقد قال الله تعالى عن تمني أهل الكتاب الموت: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)[البقرة: ٩٥]، ومع أنه مؤكد بقوله (أبدا) فقد دل الدليل على أنهم يتمنونه يوم القيامة للنجاة من عذاب النار، وأنى لهم ذلك؟، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [آخر سورة النبأ]، وقال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧)[الزخرف: ٧٧]، فيقطع مع هذا بأن لن حتى وإن قيل إنها تفيد تأبيد النفي، فإنما ذلك في الدنيا، وللآخرة أحكامها الخاصة.


(١) رواه مسلم والنسائي عن رجل من الصحابة.
(٢) «ترتيب المدارك» وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض (١/ ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>