للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما روي من رؤية نبينا محمد ربه ليلة المعراج فإن الصحابة قد اختلفوا فيه، إذ نفته أم المؤمنين عائشة، وأثبته ابن عباس ، والظاهر ما قالته الصديقية، فقد صح عن النبي أنه حين سئل عن رؤيته ربه قوله: «نور أنى أراه؟» (١)، والله أعلم.

وأما اتصاف الله تعالى بصفة الكلام، وأنها صفة أزلية ليست مخلوقة ومنها القرآن، فهذا باتفاق أهل السنة والجماعة.

قال القاضي: «هو إجماع كافة أهل السنة وأئمة الملة قبل الجهمية ومن نشأ بعدهم من أتباعهم المبتدعة»، انتهى.

والجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان منكر صفات الباري تعالى، كان يقول بخلق القرآن، وأن الله تعالى في الأمكنة كلها، وأن الإيمان عقد بالقلب، وإن تلفظ بالكفر، وقد قتل سنة (١٢٨).

وقد اختلف الناس في كلام الله تعالى على أقوال أوصلها شارح الطحاوية ابن أبي العز إلى تسعة، منها الصريح في الباطل والكفر، ومنها ما فيه لبس شيء من الحق بالباطل، أبرزها أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معان، وهذا قول المتفلسفة والصابئة وهو كفر، ومنها أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه، وهذا قول المعتزلة، ومنها أن كلامه معنى واحد قائم بنفسه، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وهو قرآن إن كانت لغته عربية، وتوراة إن كانت لغته عبرانية، وأبرز من قال بهذا ابن كلاب ومن تابعه كأبي الحسن الأشعري، ولعل ذلك قبل رجوعه إلى منهج السلف، فأما الذي عليه أئمة الحديث والسنة الموافق لما دلت عليه النصوص فهو أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وهو يتكلم بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديما (٢).

وقوله: «لا خلق من خلقه»، يحتمل أن يكون معطوفا على (صفة) فيكون مراده أن


(١) رواه مسلم (١٧٨) عن أبي ذر.
(٢) «شرح الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص ١٧٩ و ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>