كلامه سبحانه ليس مخلوقا، وهذا هو الأقرب، ويحتمل أن يكون معطوفا على الضمير المستتر في الفعل كلم، فيكون قصده أن الذي كلم موسى إنما هو الله تعالى لا غيره من الملك، ولا أنه خلق الكلام في الشجرة، ولا غير ذلك، وقد رأيت أنه أتى به صراحة في الجامع، وكلا الأمرين قال بهما المؤولة لكن الأول أخطر.
وقوله: فيبيد معناه يهلك ومعنى ينفد يفنى، قال تعالى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: ٩٦]، وقد بين الفاكهاني وجه تنويع العبارة فقال:«لأن الأجسام تفنى أصالة، فناسب قوله يبيد، والأعراض يخلف بعضها بعضا فناسب ينفد».
وقد دلّ كتاب الله تعالى على أن كلامه سبحانه لا يحد بعدد، ولا يحصر في مقدار، وهذا شأن صفاته كلها، قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)﴾ [الكهف: ١٠٩]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)﴾ [لقمان: ٢٧].