قال مالك:«وإنما تباع العرايا بِخِرْصِهَا من التمر يتحرى ذلك ويخرص في رؤوس النخل وإنما أرخص فيه لأنه أنزل منزلة التولية والإقالة والشرك، ولو كان بمنزلة البيوع ما أشرك أحد أحدا في طعامه حتى يستوفيه، ولا أقاله منه، ولا ولاه أحدا حتى يقبضه المبتاع»، انتهى.
وقد ذكر أبو الحسن لجواز بيع العرايا شروطا تسعة أذكرها هنا مع تعقب ما يحتاج إلى تعقب: أن تكون بلفظ العرية، لا بلفظ العطية والهبة والمنحة.
فإن قلت: لا عبرة باللفظ حيث تبين المعنى، فالجواب: أن العرية عند ابن القاسم أن يعطيه الثمرة على وجه مخصوص، بحيث يكون على المعرى ما يلزمها إلى وقت بدو صلاحها، ولفظ الهبة ونحوها لا يقتضي هذا، بل هو ظاهر في خلافه، وعليه إذا تعارف الناس على تحمل المعرى مؤونة ذلك جازت بغير لفظ العرية عند من لا يجيزها بغيره إذ إن التزام اللفظ في مثل هذا غير متعبد به.
أن يكون المشتري هو صاحب الحائط، وقد أخذ هذا مما في الحديث أعني قول الراوي «يأكلها أهلها رُطبا»، ولأن بيعها لغير أهلها لا يحقق الحكمة التي شرعت من أجلها، بل ربما ازداد به الضرر.
أن لا يبيعها حتى يبدو صلاحها، وقد أشار إلى ذلك المؤلف بقوله إذا أزهت»، ويؤخذ هذا الشرط من النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، لكن هذا الشرط المراد منه بيان وقت جواز البيع فينبغي أن يراعى في ذلك ما جاء في الشرط الموالي، وهو:
أن لا يعطى العوض إلا يوم الجذاذ، إما لأنه قد لا يجذها لجائحة تصيبها، أو ليسلم من النسيئة في بيع الربويات، فلا يجتمع في البيع ما يمكن تلافي بعضه من المخالفات.
أن يكون المشترى جملتها لا بعضها حيث كانت الجملة داخل المقدار المرخص بشرائه كما سيذكر.
أن يبيعها بخرصها بأن يقال: كم في هذه النخلة من وسق؟، فيقال: ثمانية أوسق، فيقال: كم ينقص الرطب إذا جف؟، فيقال: تصير الثمانية خمسة، فيعطيه خمسة أوسق تمرا يوم الجذاذ.