دلّ على الوصية قول الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)﴾ [البقرة: ١٨٠]، وهذا ظاهر في الإيجاب، ودل على المشروعية عموما قول الله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ (١١)﴾ [النساء: ١١]، وقد تكرر ذلك عقب ذكر ما فرض الله من الفرائض للوالدين والبنات والأخوات والأزواج، وقدم ذكر الوصية على الدَّيْنِ مع أنها تؤخر عنه في الإخراج للاهتمام بها، فإنها واقعة على وجه البر والإحسان والتبرع بخلاف الدَّيْنِ فأداؤه لازم، وكثيرا ما يطالب به الدائن بخلافها، وهي مما يستدرك به المؤمن ما فاته من الصدقات والتبرعات في صحته، كما يشير إليه حديث معاذ بن جبل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم»، رواه الدراقطني (الوصايا/ ٣)، قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر من أخرجه غير الدارقطني:«وكلها ضعيفة لكن قد يقوي بعضها بعضا»، انتهى، وحسنه الألباني في الإرواء (ح/ ١٦٤١)، وعزاه الغماري في مسالك الدلالة للدارقطني من حديث أبي الدرداء، وليس هو عنده في الوصايا، وفي الحديث دليل على إبطال الوصية بما فيه معصية، لأنها زيادة في السيآت لا في الحسنات، والأدلة على ذلك لا تخفى، وفيه إشارة خفية إلى أن المطلوب أن يتصدق المرء أو يوصي وهو في حال الصحة وهو ما جاء مصرحا به في حديث أبي هريرة قال:«جاء رجل فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا»؟، قال: أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان، رواه الشيخان وأصحاب السنن الأربعة، وقال رسول الله ﷺ بعد أن وعظ أصحابه موعظة وجلت منها قلوبهم وذرفت عيونهم:«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة،،،»، الحديث، وقال ﷺ:«ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة»،