رواه مالك (١٤٤٩) والشيخان وغيرهما عن ابن عمر ﵄، ومعناه لا ينبغي له خلاف ما ذكر لمنافاته الحزم والاحتياط لما يرغب فيه من الخير إن كان يريد التطوع بشيء من ماله، فكيف بالاحتياط للحقوق التي عليه نحو الناس أو الكفارات والنذور، وذكر الليلتين للتسامح فيهما، وفي بعض الروايات استثناء ثلاث ليال ولا تنافي، وذكر المسلم لأنه هو الذي يوجه إليه خطاب التكليف، لكن قال الحافظ:«هذا الوصف خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة إلى الامتثال لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك»، انتهى.
قلت: بل له مفهوم، فإن الحديث ليس في إمضاء الوصية بل في التكليف بها ندبا أو إيجابا، والكافر غير معني بذلك، لأنه وإن كان مطالبا بفروع الشرع فإنها لا تصح منه، وإنما قال مكتوبة لأن ذلك أوثق في الإيصاء وألزم لمن بلغته، فيكون فيه دلالة على لزوم ما دونه، وهو الإشهاد الذي يتيسر للناس ما لا تتيسر لهم الكتابة، والإشهاد لا بد منه في المذهب حتى يلزم التنفيذ، إلا أن يقول ما وجدتم بخطي فأنفذوه.
لكن قال محمد ابن إسماعيل الكحلاني في سُبل السلام (٣/ ١٠٤): «والتحقيق أن المعتبر معرفة الخط، فإذا عرف خط الموصي عمل به، ومثله خط الحاكم، وعليه عمل الناس قديما وحديثا، وقد كان رسول الله ﷺ يبعث الكتب يدعو فيها العباد إلى الله وتقوم عليهم الحجة بذلك،،،»، انتهى.
قلت: ما قاله قد يأثم من خالفه متى علم أنه خط الموصي، وأنه لم يتراجع عنه.
وحكم الوصية يختلف، فإن كان تطوعا بمال فحكمها الندب، وقيده بعضهم بما إذا كان له فضل مال لقوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾، أي مالا كثيرا، وجاء في حديث سعد بن أبي وقاص وسيأتي:«وأنا ذو مال»، وقوله ﷺ له:«أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس»، وكيف يستغنون والمال قليل؟، أما إن كان بأمر واجب عليه كالدين وأداء الودائع وحقوق الله كالزكاة والكفارات فالوصية واجبة، قال في النوادر:«وأما من عليه تباعة أو ما فرط فيه من كفارة وغيرها من زكاة وغير ذلك مما يوصي فيه فواجب عليه أن يوصي بذلك، وإنما يرخص في ترك التطوع»، انتهى، فإن كان الدين مما يتكرر مع قلته فلا