بعض الأفعال كحركة البطش دون بعض كحركة الارتعاش، ويقال عن هذا المدخل الذي للعبد أن الله هو الذي أقدره عليه، وأن القول بأن الله خالق أفعال العباد ليس معناه ولا يلزم منه الجبر، وقد قال في ذلك قائلهم:
وأفعال الورى خيرا وشرا … بخلق الله ثم بالاكتساب
فنعزوها له عزو اختراع … ونعزوها لهم عزو اكتساب
قال القاضي عبد الوهاب مبينا معنى الكسب:«ومعنى الكسب الذي نريده وجود الإنسان نفسه متصرفا في الفعل لقدرة مخلوقة في محله يجد نفسه عليها، بخلاف ما يجد المضطر نفسه عليه من عدم ذلك وامتناع تصرفه، وهذا معنى لو رجع الإنسان إلى نفسه لم يحتج إلى أن يجحده، ولا استحسن المكابرة فيه، وهو أن المكتسب لحركة منه يجد نفسه مختارا لذلك، قاصدا إليه، متصرفا في القدرة عليه، بحسب قصده من ذهابها في الجهات، فهذا هو الكسب الذي نريده، وأن المضطر المتحرك يده بالفالج والارتعاش على ضرورة المتحركة يده ليس متصرفا فيها بقدرة، وإنما هو مضطر إلى ذلك ملجأ إليه» انتهى، وكلامه فيما يظهر ليس فيه ما يخالف اختصاص الله تعالى بخلق أفعال العباد، لأنه بين أن الله أقدرهم على ذلك، فهم فاعلون، لكن يقال إن مجرد نسبة الفعل إلى العبد على وجه الاكتساب ولو مع ذلك القيد فيه شيء، لأن اكتساب العبد للفعل منصوص في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، فما الحاجة إلى ذكره مع كون الله تعالى خالق أفعال عباده ممن اقر به؟، والله أعلم.
وقد ذكر المؤلف آية من سورة الملك، وهي والآية التي قبلها: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)﴾ [الملك: ١٣ - ١٤]، وقد دخلت همزة الاستفهام على حرف النفي وهو لا، فأفاد التعبير تأكيد علم الله تعالى بما خلق لأن الاستفهام إنكاري، ومن في قوله تعالى:(من خلق) فاعل، والمفعول محذوف، وحذفه يدل على عمومه، والمعنى ألا يعلم الخالق خلقه، أو مخلوقه؟، ويصح أن تكون (من) مفعولا به، وفاعل (يعلم) و (خلق)؛ ضمير يعود على الله تعالى، والعائد على الموصول محذوف، وقد أبى هذا الوجه التتائي لعدم مساعدة السياق عليه، قال ابن كثير: «ألا يعلم الخالق، وقيل: معناه ألا يعلم الله