الدَّيْنُ متى تعذر دفعه، فلعل المقصود أن يأخذه من غير نظر إلى مقدار الدين فيكون ربا، وقال القرطبي:«لا يجوز غلق الرهن وهو أن يشترط المرتهن أنه له بحقه إن لم يأته به عند أجله»، انتهى، وفسر بما إذا قال الراهن للمرتهن إن لم آتك بمالك فالرهن لك، فالظاهر من نفي غلق الرهن هذا الاشترط، لأن المرهون قد تكون قيمته أكثر من الدين فيكون هذا الشرط ذريعة إلى ربا الجاهلية، أو أقل فيضيع مال الدائن، وليس المراد من الحديث المنع من استخلاص الدين من الرهن لأن هذا هو الذي من أجله شرع الرهن، وقريب من هذا المعنى تفسير مالك لغلق الرهن في الموطإ وغيره.
أما موضع الاستدلال من الحديث على أن ضمان الرهن من الراهن فهو قوله ﷺ«له غنمه وعليه غرمه»، فإن الضمير للمالك، فهو الذي يضمن على ظاهر اللفظ، لأن الغلة له وقد تقدم أن الخراج بالضمان، بيد أنهم ألزموه الضمان في حالة كونه مما لا يغاب عليه، وجعلوا الضمان على المرتهن في حالة كونه مما يغاب عليه، وعللوا ذلك بأن منفعة الرهن ليست متمحضة لطرف واحد منهما كما هو الشأن في القرض، فإن منفعته للمدين، فكان الضمان عليه، والمنفعة في الوديعة لصاحبها فكان الضمان عليه، وفي الرهان هي لهما: الراهن يحصل على المال إن كان الرهن في قرض، ويتأخر دفعه إن كان في بيع، والمرتهن يتوثق بالرهن وينتفع به كما سياتي، فكان على كل منهما الضمان في حال دون حال، قال في الموطإ:«الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الرهن أن ما كان من أمر يعرف هلاكه فهو من الراهن، وأن ذلك لا ينقص من حق المرتهن شيئا»، انتهى، فإن اشترط الراهن عدم الضمان فقد اختلفوا فيه، فقال ابن القاسم إن الشرط باطل لمناقضته مقتضى العقد، وقال أشهب إن الشرط لازم وصوبه اللخمي، والخلاف إنما هو فيما إذا كان الشرط في صلب العقد، فأما إن كان بعد العقد فالشرط لازم عند الجميع، ولعلهم لم يختلفوا فيما إذا كان الشرط بعد العقد لأنه لا تهمة فيه، أما قبله فيمكن أن يدخل في القرض الذي يجر منفعة بحيث يستغل فيه المقرض حاجة المقترض فيلزمه الضمان.
وينبغي أن يشار إلى أن مالكا وأصحابه يقتضي مذهبهم أنهم قد حملوا قوله «له غُنْمُهُ وعليه غرمه» على افتراض ثبوته على معنى أن «له غلته وخراج ظهره وأجرة عمله،