على نهجه، وهو سبحانه لا يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون، فإنه تعالى قد حفظه على الخلق عموما، وعلى أمة الإسلام خصوصا.
وقد تعددت أنواع حفظ هذا الدين: من حفظ كوني قدري، وحفظ علمي كسبي، إلى حفظ عملي ميداني، فهذا مما على المسلمين أن يعتقدوه ويستيقنوه، حتى يصرفوا همهم إلى حفظ أنفسهم من الخروج عنه، ووقايتها من مخالفته، ويسعوا في إصلاح حالهم ومن هم مسؤولون عنهم على طاعة الله والتزام شرعه، فإن المخوف هو تفريطهم وتقصيرهم، وما في ذلك من التبعات العاجلة في الدنيا بانكسارهم وانهزامهم، وذهاب ريحهم وعزهم كما هو حالنا اليوم، ثم ما يترتب على ذلك بين يدي الله يوم نرد إليه، أما الدين فلا خوف عليه من الضياع.
حفظ الله هذا الدين بحفظ القرآن الكريم من التغيير والتبديل، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾، فهو الكتاب الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)﴾، وهو باق على هذه الأرض تكرمة للمؤمنين، بوجوده بين ظهرانيهم، يتلقون به خطاب ربهم لهم، محفوظا في صدورهم وفي سطورهم، فإن أناجيل هذه الأمة في صدورها كما جاء وصفهم في الكتب السابقة، وهو مع ذلك حجة على المشركين وحسرة عليهم، إلى أن يسرى عليه، فيرفع من الصدور ومن السطور، كما قال عبد الله بن مسعود ﵁:«أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة، وسيصلي قوم ولا دين لهم، وإن هذا القرآن الذي بين أظهركم كأنه قد نزع منكم»، قال قلت: كيف يا عبد الله وقد أثبته الله في قلوبنا؟، قال: «يسري عليه في ليلة فترفع المصاحف، وينزع ما في القلوب، ثم تلا: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦)﴾، الآية، وقال رسول الله ﷺ:«يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام، ولا صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله ﷿ في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها»، رواه ابن ماجة والحاكم عن حذيفة وهو في الصحيحة برقم (٨٧).