للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا لا يكون إلا حين يعرض الناس عن كلام ربهم، ويستبدلون به غيره من آرائهم وأهوائهم، فيخرج الله للناس الدابة وقت يعرضون عن هذا الذكر الحكيم فلا يصلح لهم حينذاك إلا أن يخاطبهم حيوان بهيم، قال الله : ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (٨٢)﴾.

والقرآن معجزة الإسلام الباقية التي ما أوتي نبي من الأنبياء مثلها، كما قال رسول الله : «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»، وهو أصل كل أصول الإسلام، اشتمل على هذا الدين تأصيلا، وأحال على ما يبينه ويجليه تفصيلا، قال الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾، وقال: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)﴾.

أما غيره من الكتب فقد أوكل حفظها لأصحابها من العلماء والعباد كما قال الله تعالى: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾، وقد بلغ النبي لفظه فهو الذي بين أيدينا بإجماع المسلمين، كما بين لأصحابه معناه فإنه هو المراد من تنزيله، وهو المقصود من تلاوته، لأنه مقدمة لا بد منها للعمل به، ومن زعم أنه بلغ لفظه ولم يبلغ معناه فإن لازم قوله أنه لم يقر لهذا النبي الكريم بالبلاغ.

ولما كانت السنة أقوالا وأفعالا وتقريرات إنما هي بيان للقرآن وتفسير له، وكانت سيرة النبي وكل تصرفاته وسلوكه راجعة إليه كذلك، إذ كان خلقه القرآن كما جاء عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-؛ فقد شمل حفظ الله ذلك كله بما هيأ من الحفاظ العلماء، والجهابذة النبغاء، الذين وثقوا النقل بالأسانيد، ومحصوها تمحيصا ما عليه من مزيد، بتلك المنهجية التي انفرد بها علماء الحديث، فشملت الشكل والمضمون، واللفظ والمعنى، وأحاطت بدقائق الرواية، وبتفاصيل الدراية، فكما حفظوا النقل بالسند، حفظوا المتن بالفهم الصحيح، وقد روي عن النبي أنه قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، وبهذا كان دين الإسلام كله أصولا وفروعا موصولا بالنقل الصحيح إلى من أنزل عليه القرآن، ومن قال

<<  <  ج: ص:  >  >>