الله عنه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾، إلى ما قام به العلماء من الشرح والبيان واستنباط الأحكام وتدوين الكتب في مختلف الفنون التي نشأت لخدمة ذينك الأصلين، لا فرق بين ما كان منها مقصودا، وما كان وسيلة إلى المقصود.
وهذا الذي ذكر لم يتوفر لدين من الأديان، فإن أهل الكتاب يفصلهم عن أنبيائهم مفاوز من الزمان خالية من الصلة، أو استندوا فيها إلى مجاهيل من الرواة والنقلة، هذا شأنهم في كل ما يأثرونه عن سلفهم من الكتب المنزلة، ولهذا تعددت نسخها، فبلغت العشرات، مما سهل على أحبارهم ورهبانهم تبديلها وتغييرها فضلا عما هو دونها من المنسوب إلى أنبياءهم من الأقوال والأفعال، قال الله تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥)﴾، وترتب على ذلك أن ضمت كتبهم ما لا يقبله عقل سليم، ولا يقره نقل قويم، فآلت دياناتهم إلى وضع عجيب غريب، بحيث لا يصلح لها إلا أن تجعل بمعزل عن الحياة، فكان أن زهدوا فيها، ونفرت عقولهم منها، وحق لهم ذلك، ولهذا رأوا أن يقصر الدين على العلاقة بين العبد وربه، وأقاموا حياتهم على هذا المبدإ، وبالنظر إلى دياناتهم المحرفة فإنهم ينادون على أنفسهم جهارا أن هذه العلاقة لا ينكر أن تؤسس على الخرافات والأباطيل والأكاذيب، بخلاف الحياة الدنيا عندهم فينبغي أن تؤسس على العلم والحقائق، زعموا، وعلى الضبط والنظام، فجعلوا لله ما يكرهون، وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون، ولهذا روجوا في معاهد المسلمين وجامعاتهم هذا التقسيم للعلوم إلى إنسانية وعلمية، ولا شك أن علوم الدين على هذا ليست علمية، ففرحوا بما عندهن من العلم كما قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣)﴾، ولما كانت دياناتهم هكذا فإنهم يسعون جهدهم ليسير المسلمون على طريقتهم، وينسجوا على منوالهم، فيتجردوا من دينهم كما تجردوا هم منه، لتصلح الحياة كما يزعمون بترك شريعة الله الذي خلق الموت والحياة، وشرع ما تصلح به، ولا تصلح بغيره، وقد حققوا نجاحات كبيرة فيما نشروه في المسلمين من أكذوبة الديموقراطية، والدولة