والذي يجمع أطراف الأدلة التي احتج بها المختلفون أو احتج لهم بها أن يقال: إن أهل الفترة إن قيل إنهم معذورون لعدم إرسال الرسل إليهم، فإن ذلك لا يعني أنهم من أهل الجنة، كما أنه إن قيل إنهم مؤاخذون فلا يعني أنهم من أهل النار ولا بد، بل إنهم ممن يشملهم الامتحان يوم القيامة، فمن نجح فيه كان من أهل الجنة، ومن خسر فيه كان من أهل النار، وقد ساق الإمام ابن كثير في هذه المسألة عدة أحاديث في الميت في الفترة إذا لم تبلغه الدعوة، والميت صغيرا وآباؤه كفار، والهرم الخرف، والأصم والأحمق، وأنهم يمتحنون إذ يؤمرون بدخول النار، فمن أطاع نجا، ومن عصى هلك، ثم عقب عليها بقوله:«أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها»، انتهى، ورد قول ابن عبد البر في رد هذا بأن الآخرة ليست دار تكليف، بأن ذلك لا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة والنار، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال، وقد قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢].
قلت: هذا الذي قاله الحافظ ابن كثير ينبغي أن يقيد بغير الأطفال مطلقا لقول النبي ﷺ: «أطفال المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يدفعونهم إلى آبائهم يوم القيامة»، وقوله ﷺ:«أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة»(١)، والله أعلم.
فإن قيل: فكيف أخبر النبي ﷺ بدخول بعض أهل الفترة النار، ولما يمتحنوا بعد، وبعض هذه الأخبار في الصحيح؟، فالجواب أن الله تعالى أطلعه على استحقاقهم ذلك بعد امتحانهم، كما أخبره بدخول أبي لهب وزوجته النار، وهما ما يزالان في دار التكليف، فيكون ذلك من أعلام نبوته بأبي هو وأمي، كما أن الأول من إعجاز القرآن في إخباره بالغيب، قال تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)﴾ [المسد: ٣ - ٤]، ونحن في مثل هذه المسائل لا خيار لنا في تقرير ما علمنا من دين الله أحكاما وأخبارا،