للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبشارة التبشير بعاقبة الطاعة، وبالأمر السار، هذا أصلها، وتخرج عنه بالقيد إلى الضد كقوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)[الانشقاق: ٢٤]، وقوله : «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار» (١)، والقائم بالبشارة المبشر والبشير، وكل من البشير والمبشر، والنذير والمنذر مما وصف الله به نبيه في القرآن.

وكل من البشارة والنذارة تتضمن الأخرى، لأن من بشر بالثواب على الطاعة بالمنطوق؛ فقد أنذر بالعقاب على المعصية بالمفهوم.

وقدم الرسالة في الذِّكْر لدخول النبوة فيها، تبعا لتعريف الجمهور لهما وهو الحق، أما تقديم النذارة على النبوة فقد يكون للإشارة إلى أن النبي من لم يؤمر بالتبليغ كما هو الشائع في تعريفه، فإن النذارة من لوازم التبليغ.

ونص على اختتام النبوة بسيدنا محمد لما قد يقال من إمكانية ظهور نبي يكون على رسالته مما يخالف إجماع المسلمين، وقد قال النبي في جملة ما اختصه الله به: «وختم بي النبيئون» (٢)، وقال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، ومن الحكمة في الجمع بين كونه ليس أبا أحد، وبين كونه خاتم النبيئين ما أشار إليه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره حيث قال: «وإذ قد كان الرسل لم يخل عمود أنسابهم من نبيء كان كونه خاتم المرلسين مقتضيا أن لا يكون له أبناء بعد وفاته، لأنهم لو كانوا أحياء بعد وفاته، ولم تخلع عليهم خلعة النبوة لأجل ختم النبوة به كان ذلك غضا فيه دون سائر الرسل، وذلك ما لا يريده الله به، ألا ترى أن الله لما أراد قطع النبوة من بني إسرائيل بعد عيسى صرف عيسى عن التزوج»، انتهى.

ومعنى كونه شاهدا؛ شهادته لأمته: للمستجيبين بالطاعة، وعلى المعرضين بالمعصية، كما قال تعالى: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقال تعالى:


(١) رواه ابن ماجة (١٥٧٣) كما في «صحيح الجامع» (٣١٦٥).
(٢) رواه مسلم (٥٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>