والكتابة في غالب الأحيان لا يخرجان عن حيز النظر والتجريد، ولا يقدمان شيئا عمليا لإقامة هذا الذي نتعلمه في الحياة العامة، ولك أن تقول إن البحوث قد بلغت حدا من التعمق والترف يأباه الشرع ولا سيما الجامعية منها، وقد كان السلف يقولون «العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل».
وقال مالك ﵀:«أدركت الناس وما يعجبهم القول، ولكن يعجبهم العمل»، وإن ربنا سبحانه إنما أنزل كتبه وأرسل رسله لِمَا بَيَّنَهُ في قوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)﴾ [الحديد: ٢٥]، وإقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والحكم، وإذا تخلى الحكام عن واجباتهم فإن أهل العلم لا يُعْفَوْنَ مما هو مطلوب منهم.
بل قال ابن تيمية ﵀ في مجموع الفتاوى (٣٤/ ١٧٦): «وقول من قال لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء: «الأمر إلى الحاكم»، إنما هو العادل القادر، فإذا كان مُضيّعًا لأموال اليتامى، أو عاجزا عنها لم يجب تسليمها إليه، مع إمكان حفظها بدونه، وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه»، انتهى.
قال كاتبه: الجمعيات في هذا العصر من وسائل إحياء الكثير من أحكام الله تعالى من غير افتيات على الحاكم، بل بموافقته على نظام الجمعيات الأساس الذي هو المرجع في تحديد أعمالها وليس يمتنع أن يكون من بين ذلك هذا الذي نحن بصدده، فيلجأ إليه من المسلمين من أراد، وقد بينت شيئا من هذا في رسالتي المسماة الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله، ولعل الله سبحانه ييسر كتابة شيء يتضح به المقام كما ينبغي، والله الهادي.
ولنرجع إلى ما نحن فيه، فإن بعض أهل العلم استثنى من إقامة الحاكم للحدود إقامة حد الزنا على المملوك، ودليل ذلك حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا زنت أَمَةُ أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من