الأنثيين، فجعلوها في هاتين الصورتين عاصبة لوجود الأب معها، ولو أعطيت الأم في الصورتين الثلث من رأس المال؛ لكان حظها في إحداهما ضعفي حظ الأب، ولا نظير له في اجتماع وارثين ذكر وأنثى يدليان بجهة واحدة، وفي الصورة الأخرى تأخذ أكثر، وذهب إلى هذا من الصحابة عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعلي ذكرهم ابن المنذر، والمسألة في الموطإ في ترجمة ميراث الأب والأم من ولدهما.
فأما الصورة الأولى فالمسألة فيها من أربعة: للزوجة الربع: سهم واحد، وللأم ثلث الباقي: واحد، وهو في الحقيقة الربع لا الثلث، وللأب ثلثا الباقي وهو النصف سهمان.
ولو أعطيت الأم الثلث من رأس المال لكانت المسألة من اثني عشر للزوجة ربعها، وهو ثلاثة أسهم، وللأم ثلثها، وهو أربعة أسهم، والباقي للأب وهو خمسة أسهم.
وأما الصورة الثانية فالمسألة فيها من ستة، للزوج نصفها ثلاثة أسهم، وللأم ثلث الباقي واحد، وللأب ثلثا الباقي اثنان.
ولو أعطيت الأم الثلث من رأس المال لكانت المسألة من ستة، لكن الأم تأخذ سهمين وهي ثلث ستة، ويأخذ الأب الباقي وهو سهم واحد، فتحول قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين إلى العكس وهو أن للأنثى حظ الذكرين.
والمسألة خلافية وقع التعارض فيها بين قاعدة أن للذكر مثل حظ الأنثيين، مع ما دلت عليه السنة من أن البداءة تكون بأصحاب الفرائض، وأن العصبة إنما يأخذون الباقي، الأولى منهم فالأولى، والأم من أصحاب الفرائض، والأب عاصب، وقد قال النبي:«ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر»، رواه الشيخان عن ابن عباس ﵄، والمراد بالأولى الأقرب، لأنه من الوَلْي وهو القرب لا الأحق، وإلا لخلا الحديث عن الفائدة قاله النووي ﵀، والحديث قاض بأن الأقرب إذا كان واحدا استأثر بالباقي، وإلا اشترك المتساوون في اقتسامه، واستثنوا من هذا من يُحجب كالأخ لأب إذا كان معه بنت وأخت شقيقة كما سيأتي إن شاء الله، وكذا يستثنى الأخ والأخت لأم، فإن الأخ الشقيق وإن كان أولى إلا أن الأخ لأم يقدم عليه لأنه صاحب فرض، وقوله ﷺ«ذكر»، هو للتوكيد حتى لا يتوهم أن مفهومه غير مراد، فإن التعبير بالرجل كثيرا ما تدخل فيه المرأة لتساوي المكلفين في الأحكام.
وقد ذهب ابن عباس ﵄ إلى أن الأم تأخذ الثلث من رأس المال، وقال لا أجد ثلث الباقي في كتاب الله، وهو قول شريح القاضي وداود الظاهري، ومعتمدهم أن قول الله تعالى ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (١١)﴾ [النساء: ١١]، أعم من أن يكون مع الأم زوج أو زوجة أولا، ويقوي هذا المذهب الحديث المذكور، وهي عند الجمهور على معنى وورثه أبواه فحسب، والآية ظاهرة في أن الورثة الأبوان فقط، وقد أرسل ابن عباس ﵄ عكرمة إلى زيد بن ثابت فسأله عن امرأة تركت زوجها وأبويها قال:«للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي»، قال:«تجده في كتاب الله، أو تقول فيه برأيك»؟، قال:«أقول فيه برأيي، لا أُفَضِّلُ أُمًّا على أَبٍ»، انتهى، وهو في مصنف عبد الرزاق، ومن طريقه رواه ابن المنذر، كما رواه البيهقي، قال الخطابي: فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نص، وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وهو قوله تعالى: ﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾، فلما وجد نصيب الأم الثلث، وكان باقي المال وهو الثلثان للأب؛ قاس النصف الفاضل من المال على كل المال،،، إلى أن قال: وصار عامة الفقهاء إلى قول زيد»، انتهى، وذهب محمد بن