في ذلك العلوم التي هي مقاصد أو آلات لفهم غيرها كحفظ القرآن والحديث والتفسير والعربية وأصول الفقه وغيرها قراءة وتأليفا.
قال الشيخ زروق في بيان فرض العين من العلم:«وفرض العين ما لا يؤمن الهلاك مع جهله دينا ودنيا، وفرض الكفاية ما لا تعلق له به في الحال، مع تعلق الغير به أو توقعه في المآل، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لأحد أن يقوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، ولا يلزمه التوسع إلا قدر ما تعلق به فقط»، انتهى، وقال القرافي في الفرق الثالث والتسعين بعد ذكر أن الشافعي حكى الإجماع المتقدم في رسالته، وكذلك الغزالي في إحياء علوم الدين، قال ينظر لكون مالك اعتبر الجهل في الصلاة كالعمد لأنه عاص بترك طلب العلم بها:«فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله في القراض،،، إلى أن قال: «فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم فقد أطاع الله طاعتين، ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين، ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعة، وعصاه معصية»، انتهى.
وذهب سحنون إلى أنه يجب على المرء أن يتوسع في العلم الذي له فيه قابلية زيادة على العلم الذي يلزمه للعمل، قال ابن ناجي في شرحه:«وظاهره أنه لا يجب عليه تعلم العلم الزائد على فرض العين، وإن كان فيه القابلية، وهو خلاف قول سحنون بوجوبه عليه، والنفس أميل إليه، وجعله شيخنا أبو مهدي المذهب، وقال لا أعلم خلافه»، انتهى، فرحم الله الإمام سحنون ما كان أفقهه.
والعلم ثلاثة: علم بالله، وعلم بأمر الله، وعلم بخلق الله، أعلاها الأول، وقد نال الأنبياء منه القدح المعلى، وقد قال رسول الله ﷺ:«إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا»، رواه البخاري عن عائشة، ومن لم يعرف ربه فهو الجاهل وإن علم كثيرا من غيره، بل إن العلم بالله هو جنة الدنيا، فمن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وبمقدار معرفة المرء ربه يسعى في معرفة ما يرضيه ويعمل به، وذلك هو العلم بأمره، أما العلم بخلقه فلحاجة الإنسان إلى ذلك في حياته وتسخير ما جعله الله مسخرا بمشيته، وبهذا العلم يزداد المرء اطمئنانا