للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبذا معا ويشربا.

وقد اختلف أهل العلم في علة النهي عن شرب الخليطين، فقيل لأن الإسكار يسرع إلى الشيء بسبب الخلط، فيظن الشارب أنه ليس بمسكر مع أنه مسكر، قال المازري في شرح مسلم: «وهذا إذا كان الخليطان كل واحد منهما لو انفرد صار نبيذا، فأما إذا كان أحدهما لو انفرد لم يصر منه نبيذ فاضطرب المذهب في ذلك في مسائل ذكروها»، انتهى، وقال النفراوي: «ومحل النهي حيث طال زمن الانتباذ، لا إن قصر بحيث يقطع بعدم توقع الإسكار منهما، وإلا جاز»، انتهى، وعلى هذا فالذي لا يسكر لا بأس بخلطه كاللبن بالعسل، واللبن (الحليب) بالقهوة، وقيل إن العلة ما فيه من السرف، وعليه يعم النهي إلا ما كان مثل الماء باللبن لتخفيفه وإذهاب حرارته، وهذا بعيد لأنه إذا أبيح شربهما منفردين كان فيه سرف أيضا، وإباحة شربهما منفصلين لا خلاف فيها، وينقض بالجمع بين أكثر من طعام، ولا خلاف في جوازه، والسرف هنا أشد لو كان الأمر كما قالوا، وقيل إنه تعبدي، وهو مشهور المذهب، وهو الأقوى عندي، وقد حام ابن العربي حول هذا المعنى فانظر كلامه في كتابه المسالك (٣/ ٣٦٢).

لكن ليس معنى هذا أنه لا تعرف له علة أبدا فقد عرف الآن عن التفاعلات التي تجري بسبب الخلط ما لم يكن معروفا من قبل، فإذا وجدت قولا للقدماء عن شيء إنه تعبدي فليس معناه أن علته تظل سرا مكتما أبدا، وعلى هذا يدخل ما خيف إسكاره وغيره، وبعض الأشربة قد يحدث فيها شيء مضر بعد الخلط بسبب التفاعل الكيماوي بين مكوناتها، وقد ذكر بعض الأطباء عن خلط اللبن (الحليب) بالقهوة أنه يتعب الكبد، بخلاف ما لو شرب كل منهما على حدة، ولو حصل ذلك على الفور، والأصوليون يقولون إن العلة قد تكون مركبة، فعدم الخلط مطلقا هو الذي ترتاح إليه النفس، قال الخطابي في معالم السنن: «قد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب المتخذ منهما مسكرا قولا بظاهر الحديث، ولمْ يجعلوه معلولا بالإسكار، وإليه ذهب عطاء وطاوس، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث، وهو غالب مذهب الشافعي، وقالوا إن من شرب الخليطين قبل حدوث الشدة فهو آثم من جهة

<<  <  ج: ص:  >  >>