الإمام الشوكاني في بعض كتبه، قال الخطابي في معالم السنن:«النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها، وأصل النصح في اللغة الخلوص، يقال نصحت العسل إذا خلصته من الشمع»، إلى أن قال:«والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم»، قال ابن الصلاح:«النصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه»، انتهى.
أقول إن النصيحة إما أن ترجع إلى الخلوص والصفاء والنقاء، وهذا المعنى هو اللائق بالنصح لله ولرسوله ولكتابه، فتدل على الإخلاص لله تعالى والاتباع والتسليم، وإما إلى أن ترجع إلى الإصلاح بالملاءمة وجبر الخلل وترك الغش وهو اللائق بأئمة المسلمين وعامتهم، فإن الناصح هو الخياط، والنِّصاح الخيط يخاط به.
وأولى الناس بأن ينصح غيره العالم بالشرع، وطالب علم الشرع، ينصح لعامة المسلمين، وينصح لأئمتهم، وينصح لمثله من أهل العلم، وينصح لطلاب العلم، ويتصل بهم، وينبههم إلى أخطائهم في تكتم ورفق، ويلتمس لهم العذر، ويحمل كلامهم على الخير، ولا يلزمهم بالآراء والاجتهادات منه أو من غيره.
وما أقل هذا اليوم عند الدعاة اليوم كاتب هذا الشرح لم يتصل به أحد ليناقشه مناقشة علمية، أو ينصحه في كل ما نسب إليه، ولو افترضنا أنه نصح، فإن الآخذ لذلك غير لازم، ومعظمه متقول مكذوب، وقليله آراء واجتهادات يصيب فيها الناس ويخطئون، وله في بعضها رسائل كان على المخالف أن يناقشها ويرد ما ذكره فيها بالحجة والبرهان، لا بالتقول والبهتان، ومع ذلك كثرت الشتائم والتقولات والدعاوى، تأتي من الرؤوس تارة، أو يوعز بها الكبار إلى الغوغاء من طرف خفي تارة أخرى، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد يحيل هذا على غيره بدعوى أنه لا يعرف المتكلم فيه، يحيله على من ليس في العير ولا في النفير، وربما سكت بعضهم عن السابين والشاتمين، حتى إذا لقوك تبرؤوا مما نُشِرَ وأعلن، وقد تفهم أن دافعهم إلى ترك التبرؤ علنا مما نسب إليهم حرصُهم