١١٢ - «ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه كذلك روي عن رسول الله ﵌».
المراد بحقيقة الإيمان كماله لا أصله، ومنه قوله ﷺ:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، وكلام المؤلف قريب من لفظ حديث مرفوع:«لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير»، رواه أحمد عن أنس ولفظه في الصحيحين، وسنن الترمذي، والنسائي، عن أنس، عن النبي ﷺ قال:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وكثير من أهل العلم لم يكونوا يراعون الصيغ في ذكر الحديث فلا يفرقون بين صيغة التمريض وغيرها، وكما يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه فإنه يكره له ما يكره لها، وهو لازم للأول، والأخ هنا هو المسلم، لكنه مستعمل في الغالب، فإن المسلم يحب للكافر أن يؤمن، ولهذا يقدم دعوته إلى الإسلام قبل قتاله ثم يدعوه إلى دفع الجزية، ويدخل فيما يحب المسلم للمسلم فعل الواجبات والمستحبات، والحصول على المباحات، وترك المحرمات والمكروهات، وقد قيل إن هذه المحبة عقلية لا تكليفية لأن الإنسان مجبول على حب الخير لنفسه، فلو كلف ما في الحديث ما كمل إيمان أحد إلا النادر، وقد رد هذا الأمر في فيض القدير بقوله:«المراد أن يحب حصول ذلك له من جهة لا يزاحمه فيها»، انتهى، ويدل على أن ذلك تكليف الإيثار الذي وصف الله تعالى به الأنصار فإنه أعلى درجة من أن يحب لغيره ما يحب لنفسه، قال الله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (٩)﴾ [الحشر: ٩]، قال ابن كثير: «وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ (٨)﴾ [الإنسان: ٨] وقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ (١٧٧)﴾ [البقرة: ١٧٧]، فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة به، ولا ضرورة إليه، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما