للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطائفة التي قالت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا، وينفيان ما قالت الأخرى»، انتهى.

وإذا ذكر عن السلف أن الإيمان قول وعمل؛ فالمراد انضمامهما إلى الاعتقاد الذي هو الأصل، أو يريدون بالقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبالعمل ما هو أعم من عمل القلب والجوارح، فتدخل الاعتقادات وغيرها.

وذهب المرجئة إلى أن الإيمان اعتقاد ونطق فحسب، ووافقهم الماتريدية في ذلك، لكنهما افترقا، فالأولون لا يضر عندهم مع الإيمان معصية، والآخرون وإن لم يدخلوا العمل في مسمى الإيمان إلا أنهم يرون أن المعاصي يعاقب عليها الإنسان، فالتقوا مع السلف في ضرر المعاصي، وخالفوهم في اعتبار الأعمال من الإيمان.

وذهب المعتزلة إلى أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، فوافقوا السلف في هذا، لكنهم اعتبروا مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ولا كافرا، وهو عندهم مخلد في النار.

وذهب الكرامية إلى أنه النطق فقط، فالمنافق على قولهم مؤمن، لكنهم قالوا بنفوذ الوعيد فيه، وهذه الأقوال فاسدة، وفسادها متفاوت، وأشدها فسادا قول الجهم بن صفوان الذي زعم أن الإيمان هو المعرفة القلبية، ويلزم عليه أن يكون بعض الكفار مؤمنين، وهذا مناقض لكلام الله، قال تعالى في فرعون وقومه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾

[النمل: ١٤].

واعلم أنه قد صح عن ابن مسعود أنه قال: «اليقين الإيمان كله»، ولا متمسك فيه لمن ذهب إلى أن الإيمان هو مجرد التصديق لعدة اعتبارات، منها الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على دخول الأعمال في الإيمان، ومن ذلك قول النبي : «الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» (١)، وأثرابن مسعود مع ذلك ليس فيه مخالفة لهذا القول، فإنه حصر الإيمان في اليقين باعتباره أصله وأهم أجزائه، ومن بلغ هذه الدرجة من التصديق انبعثت جوارحه للعمل بلا شك، فإن الإذعان القلبي يتعذر معه عدم العمل، ولا يستثنى من ذلك إلا من


(١) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>