للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله : «من أنظر معسرا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حَزَنٌ بربوة - ثلاثا - ألا إن عمل النار سهل بسهوة والسعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا».

وروى أحمد وابن ماجة عن ابن عمر قال، قال رسول الله : «ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله»، وقال رسول الله : «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، ومن تواضع لله رفعه»، رواه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة، وقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)[الأعراف: ١٩٩]، وهذه من أجمع الآيات في أصول الفضائل الأدبية، ومن أسس التشريع في هذه السمحة الحنيفية، جاءت عقب بيان التوحيد الذي هو أصل كل العقائد والمقدم عليها، فانتظم بها وبما قبلها الدين بمعالمه الثلاثة.

وقد روي عن جعفر الصادق أنه قال: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

وروى البخاري عن ابن عباس أن عيينة بن حصن قال لعمر بن الخطاب: «هِيه يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل»، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر بن قيس: «يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه : ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، وإن هذا من الجاهلين»، قال ابن عباس: «والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله ﷿»، قال القرطبي: «هذه الآية من ثلاث كلمات تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات، فقوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، ودخل في قوله ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، وفي قوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، والأفعال الرشيدة»، انتهى، وقال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)[الشورى: ٤٠]، ذكر ربنا مقام العدل والانتصار للنفس، ثم ثنى بمقام الإحسان وهو العفو عمن ظلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>