للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحريم البناء على القبر بإرادة المباهاة، لا يستقيم شيء من هذا، فإنه تقييد لما أطلقه الشرع، وهكذا تعليق تحريم الغناء على من يُلتذ بصوته، فإنه مما لا دليل عليه، ولأن التلذذ بصوت غير من يباح التلذذ به حرام مستقل، وقد تقدم الكلام عليه، ولأن التفريق بين من يتلذذ بصوته ومن لا يتلذذ به لا ينضبط، فهو قيد نظري غير عملي لأن ما يثير الغريزة كما قال الألباني يختلف باختلاف الأمزجة ذكورة وأنوثة، شيخوخة وفتوة، وحرارة وبرودة»، انتهى، فكيف يعلق الحكم على مثل هذا فيصير ممنوعا منه هذا حلالا للآخر، بل قد يكون ممنوعا على الشخص ذاته في وقت، وجائز له في وقت آخر، وهذا ليس شأن عموم الأحكام.

وإنما ذكرت معنى الغناء في لغة العرب لأن كثيرا من الناس يظنون أن الغناء الذي فيه بعض الخلاف بين أهل العلم يشمل ما يظنونه هم غناء، لا يفرقون بين ما كان منه محرما لذاته، وما كان جائزا باعتبار مضمونه، وإنما أتاه المنع من التطريب، وإخراج أدائه عن الوضع العربي، والأمر ليس كذلك، فإن الغناء الذي فيه الخلاف ليس إلا الكلام الذي لا ذكر فيه للباطل، ولا حض فيه على المعصية، ولا تمجيد فيه للمنكرات من الخمر والزنا والعري وغيرها، والغالب على الغناء اليوم هو هذا، والمختلف فيه إنما هو الكلام الصالح في نفسه لكنه يمطط ويطرب، أما إن كان الكلام في نفسه محرما فما فائدة الحديث عن كونه مطربا أو غير مطرب؟.

وقد جاء عن مالك النهي عن الغناء وعن استماعه، ومما يدل على ذلك قوله: «إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب»، فجعل كونها مغنية عيبا ترد به، مع أن لمالكها أن يمنعها من أن تغني لغيره، ولما كان الغناء فاشيا في المدينة فقد سئل عما يرخص فيه أهل المدينة منه، فقال: «إنما يفعله عندنا الفساق»، فهذا هو مذهبه ومذهب بقية الأئمة الأربعة.

وقال الفاكهاني: «لا أعلم في كتاب الله آية صريحة ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي، وإنما هي ظواهر وعمومات توهم الحرمة لا أدلة قطعية»، انتهى، وقد نقل كلامه ابن ناجي في شرحه على الرسالة مؤيدا له، فإن كان مراده من قوله الملاهي؛ آلات اللهو فهو مردود كما سترى، وإن كان في الغناء من غير آلة فإن فيه تفصيلا ستقف عليه إن شاء الله، ومهما يكن ففي دعواه نظر، فقوله: «ظواهر وعمومات توهم

<<  <  ج: ص:  >  >>