الحرمة لا أدلة قطعية»، انتهى، ليس كما ينبغي لأوجه: منها أن أخبار الآحاد الصحيحة من الأدلة الظنية عند الجمهور، لكنهم أطبقوا على أخذ الأحكام منها، مع ذهاب بعض أهل العلم إلى إفادتها القطع، وجمهورهم على أن أخبار الصحيحين تفيد العلم لتلقي الأمة لهما بالقبول إلا ما انتقد عليهما، فإنه وإن نزل في الدرجة فهو أيضا مفيد للعلم، ثم يقال إن الغالب عند شارحي المصنفات والفاكهاني ﵀ منهم التقيد بالمذهب، وقد علمت ما ذهب إليه مالك ﵀ وبقية الأئمة.
فأما المعازف وهي آلات اللهو فقد جاء في تحريمها ما رواه البخاري في صحيحه من قول رسول الله ﷺ: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف،،، الحديث، والحر بكسر الحاء والراء المخففة هو الفَرْج، واعتبار المستحل من جملة الأمة قد يكون بحسب ما سبق الاستحلال، إن كان عالما يتحريمه، وهو من مباحث الأصول، وقد يكون المراد الاسترسال فيه والمداومة عليه، وهذا شأن المستحل في الظاهر، والمراد كثرة الزنا، والمعازف جمع معزفة ومعزف هي آلات الملاهي، وقد رواه البخاري في صورة التعليق عن شيخه هشام بن عمار فرده بذلك ابن حزم ﵁، ومن ثم أجاز المعازف، والصواب كما بَيَّنَ أهل الصناعة الحديثية أنه موصول عنه، لأنه شيخه، وقد لقيه وسمع منه، وإنما يتوقف في هذا ونحوه إذا جاء من مدلس، وأين البخاري ﵀ من التدليس؟، ولو سلمنا أنه معلق فإنه بصيغة الجزم، ثم إنه أودعه صحيحه محتجا به، على أنه قد وصله عن هشام بن عمار من أصحاب المستخرجات الإسماعيلي، كما رواه الطبراني في معجمه الكبير، وفي مسند الشاميين، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح.
وقد تبع ابن حزم ﵀ على ما ذهب إليه كثير من الناس من المعاصرين وممن تقدمهم، وبعضهم يعلم أن من حكم بصحة الحديث أعظم حفظا وأكثر عددا من ابن حزم، وحسبك أن منهم ابن تيمية وابن قيم الجوزية، والحافظ العسقلاني، وشيخه العراقي، وغيرهم.
ثم ليعلم أن المنع من الغناء ليس مقصورا على هذا الحديث، فقد روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عباس ﵄ قال، قال رسول الله ﷺ: «إن الله حرم عَلَيَّ أو حرم الخمر