النبي ﷺ كان يقطع قراءته آية، آية: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، رواه الترمذي والحاكم، وتقطيع القراءة عند أبي داود أيضا، وروى البخاري عن قتادة قال:«سألت أنسا عن قراءة رسول الله ﷺ فقال: «كان يمد مدا، إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم»، انتهى.
والمرغوب شرعا أن يحسن القارئ صوته في القراءة من غير تكلف كما قال رسول الله ﷺ:«ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، رواه البخاري عن أبي هريرة، وقد اختلف في المراد بالتغني، فقيل إنه على ظاهره، يحسن به صوته، قالوا لأن التطريب به أوقع في النفوس، وأدعى للاستماع والإصغاء، وهو كالحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفيذه إلى أمكنة الداء، وكالأفاويه التي يطيب بها الطعام ليكون الطبع أدعى قبولا له، لكن شرطه أن لا يغير اللفظ، ولا يخل بالنظم، ولا يخفي حرفا، ولا يزيد حرفا، وإلا حرم إجماعا»، قاله في فيض القدير (٥/ ٣٨٧)، وبهذا تعلم تحريم طريقة قراءة القرآن التي تسمى في جهتنا بالشرقي متى كان ثقيلا كما يسميه أصحابه، فإن كان خفيفا فهو خلاف السنة لما فيه من ترك الوقف البتة مع المخالفات الأخرى.
وقيل إن معنى حديث ليس منا من يتغن بالقرآن ليس منا من لم يحسن صوته به، كما سيأتي في الحديث، وقد تأوله على هذا المعنى عبد الله بن أبي مليكة، قال عبد الجبار بن الورد سمعت ابن أبي مليكة، قال عبد الله بن أبي يزيد مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته، فإذا رجل رث الهيئة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟، قال:«يحسنه ما استطاع»، قال القرطبي:«وإليه يرجع قول أبي موسى للنبي ﷺ: «إني لو علمت أنك تستمع لقراءتي لحسنت صوتي بالقرآن وزينته ورتلته»، وهذا يدل على أنه كان يهذ في قراءته مع حسن الصوت الذي جبل عليه، والتحبير التزيين والتحسين، فلو علم أن النبي ﷺ كان يسمعه لمد في قراءته ورتلها، كما كان يقرأ على النبي ﷺ، فيكون ذلك زيادة في حسن صوته بالقراءة، ومعاذ الله أن يتأول على رسول الله ﷺ أنه يقول: إن القرآن يزين بالأصوات أو بغيرها، فمن تأول هذا فقد واقع أمرا عظيما أن يحوج القرآن إلى