ما يزينه، وهو النور والضياء والزين الأعلى لمن ألبس بهجته واستنار بضيائه»، انتهى.
ومما فيل في معنى يتغنى به أنه يستغني به من الاستغناء الذي هو ضد الافتقار، قال في النهاية:«أي لم يستغن به عن غيره، يقال تغنيت وتغانيت واستغنيت، كما قيل:
كلانا عني عن أخيه بنفسه … ونحن إذا متنا أشد تغانيا
وقيل المراد أن من لم يجهر بالقرآن فليس منا، وقد جاء مفسرا في حديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به»، قيل إن قوله: يجهر به تفسير لقوله يتغنى به، وقال الشافعي: معناه تحسين القراءة وترقيقها، ويشهد له الحديث الآخر:«زينوا القرآن بأصواتكم»، وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء.
قلت: قد ذكر صاحب الصحاح أن تغنى الرجل يكون بمعنى استغنى.
وقيل معناه يستغني به عما سواه من الأحاديث، وهو الذي مال إليه البخاري إذ ترجم على الحديث المتقدم بقول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ (٥١)﴾ [العنكبوت: ٥١]، وقال النبي ﷺ:«زينوا القرآن بأصواتكم»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء، ورواه أبو داود بلفظ:«زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا»، وقد علمت ما قاله القرطبي ﵀ من استنكار ظاهره، وهو ما ذهب إليه الخطابي في معالم السنن وذكر من أهل العلم من كان ينهى عن التحديث به باللفظ المتقدم، ورواه بسنده بلفظ:«زينوا أصواتكم بالقرآن»، ومعناه أشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا بقراءته، واتخذوه شعارا وزينة»، انتهى، لكن قيل إن المراد زينوا القراءة، وأحسب أنه جاء مرفوعا بهذا اللفظ، ويدل عليه قوله تعالى ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)﴾ [الإسراء: ٧٨].
ومهما يكن فكلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ ينبغي أن يضم بعضه إلى بعض، وأن يؤخذ الحكم من مجموعه لا أن يضرب بعضه ببعض، فإنه لا اختلاف فيه، ومن ثم فلا يسوغ بحال أن يستدل بهذه الأحاديث على ما أحدث في هذا الزمان من التكلف في الأداء، والغلو في إخراج الحروف حتى بلغ الأمر أن المرء وهو يقرأ القرآن يتشوه خلقه، وتعوج شفته، وقد يضع يديه قريبا من أذنيه يتقوى بذلك على مد الصوت والتنغيم والترجيع، كما