للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يصح أن يبنى على القول بجواز التطريب الذي قال به بعض أهل العلم هذا الذي ذهب إليه فريق من الناس في هذا العصر، حيث أصبحنا نسمع بالمقامات التي ينبغي أن يتعلمها قارئ القرآن، ثم سميت هذه المقامات بأسماء يعرفها محدثوها، وأصبح القارئون يمتحنون فيها، وتجرى المسابقات على أساسها، بل غدونا نسمع من يترنم لتكون القراءة على وقع ترنمه، ويذكرون وهم يجرون في حلبة التكلف هذه دليلا على مشروعية ما يذهبون إليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)[سبأ: ١٠]، وقد رأيت القوم لا يقرؤون الآية من أولها، بل يقتصرون على موضع الدليل منها كما يطنون، وقد أنصت إلى أحدهم يرددها أزيد من عشر مرات يقرؤها كل مرة بطبقة من صوته، والمستمعون إليه يتعجبون من ذلك، بل ويضحك بعضهم، ولا يخفى عنك أن تأويب الجبال مع داود هو فضل خصه الله به، وقد اختلف العلماء في تحديده كما قال تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)[ص: ١٨ - ١٩]، قال القرطبي : «وكان داود ذا صوت حسن ووجه حسن، وحسن الصوت هبة من الله تعالى وتفضل منه، وهو المراد بقوله : ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ (١)[فاطر: ١]، انتهى.

قلت: يدخل ذلك في الآية، لكنه ليس خاصا به لأنه وارد في سياق ما خلق الله عليه الملائكة، قال الزمخشري: «والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأت في مزاولة الأمور، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف»، انتهى.

ومما ذكروه قول النبي عن أبي موسى: «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود»، وكلمة مزمار مذمومة في أصلها شرعا، فلا يصح الترويج لها بهذا الحجم اعتمادا على وصف نبينا محمد لصوت صاحبه، ولهذا لا يستقيم أن يطلق على من يحسنون أصواتهم مزامير القرآن، فإن هذا لا داعي له غير الترويج وجلب الأنظار واستهواء الناس بهذه الأمور الغريبة، فكيف إذا صحب ذلك أن يقرأ القرآن في جلسات يلتقي فيها الرجال

<<  <  ج: ص:  >  >>