وبين حكمه، ولكن الذي ينبغي الدعوة إليه هو الاهتمام بتدبر القرآن وإقامة معانيه وأحكامه، وفيه دليل على أن العناية ينبغي أن تنصرف أكثر إلى التفقه فيه، أما ما أخذه ابن عبد البر ﵀ من هذا الأثر وهو أن تضييع حروف القرآن ليس به بأس، فلا أحسبه مرادا لابن مسعود إن كان الأثر قد نقل بلفظه، بل المقصود أن عنايتهم كانت مصروفة إلى التفقه والعمل بالقرآن أكثر من صرفها إلى مجرد الحفظ كما عليه الأمر في هذا الزمان، قال ابن عبد البر:«قال مالك: قد يقرا القرآن من لا خير فيه، والعيان على صحة هذا الحديث كالبرهان»، انتهى.
وقال ابن حبيب:«كره مالك النبر والتحقيق في القراءة وغيرها، وقال: «ليس ذلك من شأن الفقهاء والفصحاء»، وفي المدونة (١/ ١٩٤): سئل مالك عن الألحان، فقال: لا يعجبني، وأعظم القول فيه، وقال: إنما هو غناء يتغنون به، ليأخذوا عليه الدراهم»، انتهى، وفي المدونة أيضا (١/ ١٩٤): «سئل مالك عن القراءة في رمضان يقرأ كل رجل من موضع سوى موضع صاحبه فأنكر ذلك وقال: «لا يعجبني، لم يكن ذلك من عمل الناس، وإنما اتبع فيه هؤلاء ما خف عليهم ليوافق ذلك ألحان ما يريدون، وأصواتهم»، انتهى، وقد تطور هذا الأمر فأصبحت لا تكاد ترى من يقرأ سورة بتمامها في الصلاة، بل الغالب أن يقرأ سياقا لا يراعي فيه من أين يبدأ ولا إلى أين ينتهي، وأئمة الهدى يبصرهم الله تعالى ويهديهم إلى إنكار المخالفات ولما تزل في بداياتها بحيث لا يتفطن لها إلا أولو الأبصار، وما أقلهم في هذه الأعصار، وكثيرة هي الكبائر التي ابتدأت خفيفة يسيرة مقاربة للحق، ثم انتهت إلى ما انتهت إليه، لكن أهل العلم والإيمان يتفطنون لها في بداية ظهورها بما أعطاهم الله من الفراسة، فانظر كيف بدأ التشيع، وإلى أين انتهى، وانظر إلى التواجد والرقص عند المتصوفة فقد ابتدأ بالتغبير، وقد قال الشافعي عن فاعليه إنهم زنادقة يصرفون الناس عن الاستماع للقرآن، وما رأينا من أهل الأهواء من يدعو إلى الباطل المحض، واذكر قول النبيد لعثمان بن مظعون وقد فعل ما ظن أنه سنة:«أرغبت عن سنتي»؟، فقال: لا، والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب».
ما زلت أعتقد أن مذهب مالك في القراءة الجماعية هو الحق، لكونها ليست من